بسم الله الرحمن الرحيم
المنتخب من صحيح التفسير
الشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الحلقة (331)
[سورة الأنعام:75-82]
(وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمۡ يَهۡدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلضَّآلِّينَ فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ)(75-78)
بعد أن ذمَّ إبراهيم عليه السلام أباه آزر وقومه، ورماهم بالضلال على شركهم وعبادة الأصنام، وكانوا صابئة يعبدون الكواكب، انتقل إلى إبطال أصل المعبود وهو الكواكب، في محاورة أجراها عليه السلام مع نفسه في ملأ من قومه؛ ليصل بهم إلى التوحيد.
وأظهر في هذا الحوار التجرد الكامل، وظهر أمامهم بمظهر الباحث عن الحقيقة، وتَألَّفهم فيها ليستدرجهم، حتى لا ينفروا من المحاجة قبل إكمالها وإلزامهم بالدليل.
فعندما رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه وسط السماء، قال على التنزل – كما يقول المجادل – مشيرا إلى الكوكب: سلّمنا أن هذا ربي، ثم تأمله ليعرف حقيقته، فوجده قد أفل، فلما أفل تضايق من أفوله، وكرَّ عليه بالنقض والإبطال، مستعملا الدليل العقلي، وهو أن الأفول والغياب ينافي الربوبية.
وتدرج بهم في ذلك، فبدأ برؤية الكوكب في الظلمة، ثم ترقى بهم إلى القمر حين بزغ، ولم يذهب بهم إلى شيء آخر غير الكواكب؛ لأنهم إنما يعبدون الكواكب، فلمّا أفل القمر هو الآخر احتار، وأظهر أمامهم عجزه لتكرر الفشل، فتبرأ من حولِهِ واستسلم لربه، وطلب منه الهداية إلى الحق، وقال (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) ثم ترقى بهم إلى كوكب أكبر مما قبله، وهو الشمس، فلمّا ظهرت الشمس وبزغ ضوئها انتظرها، فلما أفلت بيّن لهم أن آلهتهم لم تصمد للمرة الثالثة، فأقام بذلك الحجة على بطلانها واليأس منها، و(قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) إنكم لا تعبدون إلهًا يستحق العبادة، فكيف تدّعون أنكم تعبدون الله وأنتم تشركون معه غيره، فأنتم لا تعبدونه.
قوله (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ) هذا التشبيه ونحوه الإشارة فيه إلى مصدر الفعل الذي يذكر بعده، أي ومثل ذلك التبصير والإراءة (نُرِي إِبْرَاهِيمَ) وعَودُ الإشارة إلى متأخر جائز، ومنه في القرآن: ﴿قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَیۡنِی وَبَیۡنِكَ﴾([1])، ﴿هَٰذَا یَوۡمُكُمُ ٱلَّذِی كُنتُمۡ تُوعَدُونَ﴾([2])، والرؤية في (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ) بصرية وعلمية، والملكوت: السلطان والملك العظيم، وهو لفظ خاص بمُلك الله عز وجل، والتاء فيه للمبالغة، مثل الكهنوت والرحموت، والمعنى: ومثل ذلك التبصير نجعل لإبراهيم يبصر آياتِ ودلائلَ إدراكِ عظمة ملكِ الله في السموات والأرض، الدالة على عظيم سلطانه، واستحقاقه وحده للعبادة، وجملة (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) عطف على محذوف: أي نريه الملكوت ليستدل، وليكون من الموقنين، البالغين الغاية في اليقين، الحاصل بالعلم بالله وصفات كماله.
وجملة (فَلَمَّا جَنَّ) عطف على (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) للتفصيل بإقامة الدليل فيما أُجمل هناك من الإنكار، و(جَنَّ عَلَيْهِ) ستره وأظلم عليه، و(رَأَى كَوْكَبًا) رأى ببصره في السماء كوكبا وسط الكواكب، فلما رآه قال هَذَا رَبِّي الذي أبحث عنه لا غيره، والحصر أخذ من تعريف جزئي الإسناد المبتدأ والخبر في قوله (هَذَا رَبِّي)، و(أَفَلَ) اختفى وتوارى وراء الأفق، (قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) قال لا أريد الآفلين، أو لا أحب عبادة الآفلين، أي مَن صفاتهم الأفول والغياب؛ لأَنِّي لا أعبد إلهًا لا أجده حين أحتاج إليه، والإله الحق لا يحجب عن الخلق، وإنما المحجوبون هم الخلق، وجمَع معبوداتهم جمع العقلاء فقال: الآفلين؛ تنزلا على معتقدهم، فقد كانوا في زعمهم عقلاء.
و(بَازِغًا) من البزوغ، وهو أول بداية نور الكوكب وقت ظهوره، أي بعد أن اختفى الكوكب الذي رآه أوّلا ورأى القمر عند بزوغه ظاهراً، أعاد ما قاله عن الكوكب الأول فقال عن القمر هذا ربي، فلما أفل الكوكب أدرك بُعد ما تخيله وخطر على باله عن الصواب، وقال المقالة نفسها: لا أحب الآفلين.
(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً) أي هكذا فعل إبراهيم مع الشمس لما رآها طالعة، وصفها بقوله (هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ) أي أولى بأن يكون رباً من الكوكب الذي أراه قومَه قبلها، وأشار للشمس بالمذكر (هَذَا) وهي مؤنثة، وذلك رعاية للفظ الرب، تنزيها له عن شبهة التأنيث.
(إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِيفٗاۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ)(79)
أعلنَ إبراهيم أمام قومه التوحيد والإخلاص فيه، وأنه وجَّه وجهه مخلصًا لعبادة الله وحده، وتبرّأ من الشرك وأهلهِ؛ لأن مَن أشركَ لم يعبد الله، وإنما عبد الشريك، فقوله (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) لله؛ أخلصت له العبادة، وقوله (لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) أي خلقها وشقّها وأنشأها، و(حَنِيفًا) منصوب على الحال مِن ضمير وجهت، أي وجهت وجهي حالة كوني حنيفاً، والحنيف من الحنَف: الميل عن الباطل إلى الاستقامة والدينِ الحق، ثم أعلن تبرأه من الشرك فقال (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
(وَحَآجَّهُ قَوۡمُهُ قَالَ أَتُحَٰٓجُّوٓنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنِۚ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيۡـٔٗاۚ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ وَكَيۡفَ أَخَافُ مَآ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا فَأَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ)(80-82)
لما أعلن إبراهيم عليه السلام التوحيد بقوله: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) اغتاظ قومه منه، وجادلوه في التوحيد، ينصرون آلهتهم (قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ).
ومحاجتهم له لم تكن بإقامةِ دليلٍ ولا برهانٍ، وإنما هي قائمةٌ على أوهامِ تخويفهم إياه من آلهتهم أن تمسه بسوء، كما قال قوم هود عليه السلام لنبيهم: ﴿إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوۤءࣲ﴾([3])، وقد قال إبراهيم عليه السلام، في الردّ على أن ما نسبوه لآلهتهم لا يخيفه (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ) (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا).
فقوله (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ) مِن الحجة، وأصل الحجة الدليل المؤيد للدعوى في الخصومة، وسمي كلامهم محاجة لإظهاره بمظهر الحجة وإن لم يكن كذلك، والاستفهام في (أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ) إنكاري؛ أتحاجونّي في الإيمان بالله والحال أنه (قَدْ هَدَانِ) اللهُ للتوحيد، والخلاصِ مما أنتم فيه من الشرك والضلال.
ومحاجته لهم كانت قائمة على الدليل والبرهان والحجج، وإن طويت في هذه الآية، فقد ذكرت في آيات أخرى، كقوله صلى الله عليه وسلم لقومه: ﴿قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرࣰّا وَلَا نَفۡعࣰاۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ﴾([4])، وقوله عليه السلام: ﴿یَٰۤأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا یَسۡمَعُ وَلَا یُبۡصِرُ وَلَا یُغۡنِی عَنكَ شَیۡءࣰا﴾([5]).
و(ما) في قوله (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ) موصولة واقعة على الأصنام، وضمير (به) يعود على لفظ الجلالة في قوله (أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ) و(شيئًا) مفعول به، أو مفعول مطلق.
والاستثناء في قوله (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) يصح أن يكون منقطعًا، على معنى: لا أخاف آلهتكم التي لا تنفع ولا تضر، لكن الذي أخافه هو ربي، فإنه إن أراد بي شيئًا فهو واقعٌ لا محالة، ويصح أن يكون الاستثناء متّصلا، مستثنى من عموم الأحوال، على معنى: لا أخاف آلهتكم في حال من الأحوال، إلا في حال ما إذا أراد ربي أن يأتيني شيء من جهتها أو من جهة غيرها، فالأمرُ لله وحدَهُ أولًا وآخرًا، وحملُهُ على الانقطاعِ أبْيَن.
وقوله (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) أي علمه سبحانه محيطٌ، ولا أدري إن كان في علمه أن يمسني أو يمسكم بسوءٍ، فهو وحده الإله المستحق للعبادةِ؛ لأنه القادر، الذي وسع علمه كل شيء والاستفهام في (أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) إنكاري، والفاء عاطفة على محذوف، والتقدير: أَنَسيتُم هذا الدليل الواضح على قدرة الله وإحاطة علمه بكل شيء فلا تتذكرونَ؟! أين عقولُكم؟ أعجزتُم أن تُدركوا مَن الإله الذي يستحقُّ العبادةَ؛ الأصنام التي لا تقدر عن أنْ تدفعَ عن نفسها شيئًا، أمِ الله الخالقُ القادر، الذي وسع كل شيء علما؟!
والاستفهام في قوله (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ) للتعجيب من حالهم، أي كيف أخاف ما أشركتموه بالله، وحُذف الضمير العائد على معبوداتهم للعلم به من السياق، والسلطان: الحجة والبرهان.
هذا جواب إبراهيم لقومه حين خوَّفوه أن تمسَّه آلهتُهم بسوءٍ قال لهم: كيف أخافُها، وهي لا تقدر أن تدفع عن نفسِها السوءَ، كما قال قائلهم([6]):
أَرَبٌّ يَبولُ الثعلُبان برأسِهِ | لقدْ ذلَّ مَن بالَتْ عليهِ الثعالِبُ |
فَلَو كان لها من الأمر شيء لحمَت نفسها، ثم إنهم قد علموا أنهم إذا مسهم ضر لم يجدوا إلا اللهَ، ولم تنفعهم الأصنام، فخوفُوه مِن ضرِّ ما لا يضُر فخوفهم من ضرِّ من يضرُّ، فقال لهم: والحال أنكم لم تخافوا شرككم بالله دون حجة ولا برهان، فأيُّ الفريقين فريق الإيمان أم فريق الشرك، أيهم أحق بالأمن من الضر؟ من يؤمن بالله أم من يشرك به فالاستفهام في قوله (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ) للتعجب من جرأتهم على عدم الخوف من الله وليس لهم حجة.
والجوابُ على الاستفهام في (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) تُركَ للعلمِ به؛ فيكون إبراهيم عليه السلام سَأل وأجابَ بنفسه؛ لأنه الجواب المتعين، والذي لا محيصَ لهم عنه، لأنّ من لا حُجة له هو الهالكُ، ويصحّ أن يكون جواب الاستفهام هو قوله فيما بعد (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) بناء على أن قوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) من تمام كلام إبراهيم عليه السلام وليس كلاما مستأنفًا.
وقوله (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة شرطية جوابها محذوفٌ، أي: إن كنتم تعلمون أي الفريقين أحق بالأمن فأخبروني، للتسجيلِ عليهم وتبكيتهم، وقوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) كما يصح أن يكون جوابا لقوله (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) يصح أن يكون كلاما من الله مستأنفا، تأييدًا لإبراهيم عليه السلام، وتخويفًا لقومه.
والتنكير في (ظلم) للتعظيم أي لم يلبسوا ولم يخلطوا إيمانهم بظلم عظيم، والظلم العظيم هو الشرك وقد جاء تفسير الظلم بالشرك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب المصير إليه، ففي الصحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: لما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: ﴿یَٰبُنَیَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِیمࣱ﴾)([7]).
ولما كان الله سبحانه وتعالى وحده المستحق للعبادة، وأنها حقّه على عباده، كما جاء في الحديث القدسي: (فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)([8])، كان الشرك بجعلها لغيره ظلمًا وتعديًا على حقه.
فقوله (لَمْ يَلْبِسُوا) لم يخلُطوا، (بِظُلْمٍ) أصل الظلم: التعدي على حقِّ صاحبِ حق، وهو هنا الشرك كما تقدم.
ثم ذكر جزاء (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) فقال (أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) لهم الأمن من العذاب العام في الدنيا بالاستئصال ونحوه، ومن عذاب الآخرة بالنار ووفقهم الله للهداية إلى الطريق التي تنجيهم، وتحقق لهم النعيم المقيم.
[1]) الكهف: 78.
[2]) الأنبياء: 103.
[3]) هود: 54.
[4]) المائدة: 76.
[5]) مريم: 42.
[6]) ذهب الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ذات يوم ليقدم مراسيم الطاعة لصنمه، وبينما هو كذلك وجد ثعلبا متسلقًا على رأس الصنم وقد بال عليه، فوقف متعجبا ساخرا مما حدث، وأنشد أبياتا، هذا البيت مطلعها.
[7]) البخاري: 6937.
[8]) البخاري: 2856، مسلم: 53.