بسم الله الرحمن الرحيم
المنتخب من صحيح التفسير
الشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الحلقة (220)
(فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)[النساء:11-12].
(فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) التقدير: فإن كان الأولاد – الشامل للنوعين للذكور والإناث – نِسَاءً([1])، و(فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) أكثر من اثنتين، فالظرفية المراد بها الزيادة، وهو خبر ثان لـ(كنَّ)، أو وصفٌ للخبر.
بيّن القرآن أنّ نصيب البنات إذا كنَّ أكثر من اثنتين هو الثلثان، بينهنّ بالسوية، والجمهور على أن الاثنتين حكمهما كذلك، لهما الثلثانِ، كحكم ما زاد على الاثنتين؛ لأنّ القرآنَ جعلَ للأختين الثلثين، في قوله: (فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)([2])، فالبنتان بذلك أولى؛ لقربهما، وذهب ابن عباس إلى أن الثلثين يكونُ لما زاد عن الاثنتين، ولا يكون للاثنتين؛ تمسكًا بظاهر الآية.
(وَإِن كَانَتْ) البنتُ (وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ففرضُها نصفُ التركة، إن لم يكنْ معها من يعصبُها من الأبناء (وَلِأَبَوَيْهِ) لأبوي الميت الأب والأم، وسمّيَا أبوينِ من باب التغليب (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا) لكل واحد من الأب والأم (السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ) الميت (إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) إن كان للميت ولد ذكر أو أنثى، واحد أو أكثر، فلكل واحد من أبويه السدس (فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) إذا لم يكن للميت أولادٌ، والوارثُ له أبوه وأمه، فلأمه ثلثُ المال، وما بقي فهو للأب، مسكوتٌ عنه للعلم به من قاعدة: (ألْحِقُوا الفَرَائِضَ بأهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهْوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) وقاعدة: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ)، لذا لو كان مع الأبوين زوج، فإن الأم تأخذ ثلث ما بقي – وهو النصف الآخر – بعد فرض الزوج وثلثاه للأب، ولا تأخذ الثلث كاملًا، حتى لا تنعكس القاعدة وتأخذَ الأنثى مثل حظ الذكرين.
(فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) إن كان للميت عددٌ من الإخوة، اثنان فأكثر، ذكورًا أو إناثًا، مع وجود الأم، فلأمه سدس التركة (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) هذه الأنصبة المبينة يستحقها الورثة بعد أن تنفذ وصايا الميت، إن كانت له وصايا، وبعد قضاء ما عليه من الديون؛ لأنها حقوق للميت في مالِه، تسبق حق غيره من الورثة، فإن الله أعطى لكل أحد الحق أن يتصدق بثلث مالِه بعد موته، ولأن دَينه يحبس فيه يوم القيامة، فمن حقه أن يخلصَ نفسه من ماله قبل أن يحوّله إلى غيره، وقدمت الوصية على الدين للاهتمام والتأكيد عليها؛ لأن عادة الورثة أن يتضايقوا منها، ويشحُّوا بها، وعطف الدَّين عليها بـ(أو) التي تفيد التسوية دون الواو الدالة على الجمع؛ ليفيد أن كلا منها مستقلٌّ بوجوب التقديم على قسمة التركة، وإن كان الدَّين في التنفيذ مقدّما عليها عند عدم وفاء التركة بهما معا.
(ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) هذه الفرائض قسمها العليم الخبير، لم يتركها لتقدير أحد، أو اجتهاد أحدٍ، فقد يظن صاحب المال أن بعض الآباء – يعني الأب والأم – أو الأبناء، أفضل وأنفع له من بعض، فيحرم بعض ورثته، ويفضل بعضهم، ويتمنى خلاف القسمة التي فرضها، فلا تظنوا ذلك، فإن الله تعالى يعلم مَن هو حقًّا الأقربُ لكم نفعًا من قرابتكم، ويعلمُ كلَّ ما غاب عنكم، وأنتم لا تعلمون، فحكمه عدل، وقسمته حق.
(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنم بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) لما ذكر الميراث الذي سببه القرابة، عطف عليه الميراث الذي سببه عصمة النكاح، الذي لم يكن معروفًا في الجاهلية، فجعل الله فيه للزوج النصف، وللزوجة الربع، على قاعدة الميراث: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) وشرط فرض النصف للزوج من زوجته ألّا يكون لها ولد، ولا ولد ابنٍ منه أو مِن غيره، ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو أكثر، وهو ما دل عليه عموم قوله تعالى: (إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ) فإن كان لهن ولد أو ولد ابن على نحو ما ذكر، كان للزوج الربع، أي نصف فرضه، وهو النصف عند عدم الولد، وكذلك المرأة لها الربعُ من زوجها عند عدم ولد له منها أو من غيرها، ولا ولد ابن، ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو أكثر، فإن كان له ولد أو ولد ابن على نحو ما ذكر، فلها نصف فرضِها، وهو الربع عند عدم الولد، فتأخذ الثمن، وكلٌّ من الربع والثمن يشترك فيه الزوجاتُ إن تعددت، وفي الحالتين – فرضها وفرضه – لا تُحرمُ هي ولا هو من الوصية أو المداينة، فلا يأخذ أحدهما فريضته من الآخر، إلّا بعد تنفيذ الوصية التي وصى بها الآخر، وأداء دينه، فقد ختمت فريضة كلٍّ منها من الآخر بقوله: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)، وقوله: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ).
[1]) وبذلك حصل التغاير بين اسم كان وخبرها فيصح الإخبار؛ إذ لا يصح أن يكون الاسم والخبر شيئا واحدًا؛ لعدم الفائدة، والتغاير حصل من جهة أن اسم (كنَّ) شامل للذكور والإناث وخبرها (نِسَاءً)، وأنّث الضمير في (كُنَّ) مراعاة للخبر، وهو (نساءً)، أو لأن الضمير العائد على جمع تكسير الذكور الخلّص يؤنث، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَّتْ)([1])، فرجوعه مؤنثًا على جمع التكسير المشترك بين الذكور والإناث وهو الأولاد أوْلى، وإن قدّر ضمير (كنَّ) بالمولودات الذي هو اسم (كن) فالخبر نساء، أي نساءً خلّصًا ليس معهنّ عاصبٌ، وبذلك يصحَّ الإخبار، ولا يكون الخبر عين الأول؛ لأن اسم (كنّ) المقدر وهو المولودات عامّ في كل النساء، وخبرها (نساء) مخصوص باللاتي ليس لهن عاصب، فاختلف الاسم عن الخبر وصح الحمل، وسماهن نساء باعتبار المآل.
[2]) النساء:176.