المنتخب من صحيح التفسير -الحلقة 117- تابع سورة البقرة

بسم الله الرحمن الرحيم

المنتخب من صحيح التفسير

الشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني.

- الحلقة (117).

(وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [البقرة:221].

(وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) النكاحُ في القرآنِ كلّه عند أكثر أهل العلم؛ حقيقةٌ في العقد، مجازٌ في الوطء، قالوا وهو الراجح، وإلا لسمي الزنا نكاحًا، واستثنوا مما ورد في القرآن قوله تعالى: (حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)( ) فإنها بضميمة ما دلَّت عليه السنة - مِن أنّ المبتوتة لا تحلُّ حتى يذوقَ عسيلتها وتذوقَ عسيلته - أفادتْ أن النكاحَ فيها يرادُ به الوطءُ (الْمُشْرِكَاتِ) حقيقة الشرك في الشرع: أن يجعلَ المكلفُ مع اللهِ إلاهًا غيره، والقرآن أطلق لفظ المشركين على من كانوا يعبدون غير الله، ولا يؤمنون بالله ورسله، أطلقه في مقابل أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، وهذا هو المتبادر من النهي عن نكاحِ المشركات، فلا يدخل فيه الكتابيات؛ لأن قوله تعالى في آية المائدة: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ)( ) أباحت نكاح الكتابيات. وهناك مِن أهل العلم مَن ذهبَ إلى أنّ النهي في آيةَِ البقرة: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ) يعمّ الكتابيات أيضًا، لقول الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ)( ) كما روي عن ابن عباس قوله: "وأيّ شرك أعظم ممن يقول المسيح ابن الله"، وخَصصَ هذا العمومَ عندهم قولُ الله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)( ). (حَتَّى يُؤْمِنَّ) غاية المنع إيمانهن، فإذا آمنتِ المشركةُ حلّتْ (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ) مملوكة مؤمنةٌ، وهي أدنى نساءِ المسلماتِ منزلةً (خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) حرة، والخير الثابت للمسلمة صفةٌ لازمةٌ لها، على معنى أنَّ الخير كلّه في المؤمنةِ، ولا خير في المشركةِ، على حدِّ قوله تعالى: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا)( )، فلا يقتضي هذا الوصفُ أنّ في المشركة أيضًا خيرًا، إلّا أنّ خيرَ المسلمة أكثرُ (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) (لو) بمعنَى إِنْ، أي: وإنْ أعجبتكم، فالمشركةُ بجمالها وما بها من مرغباتٍ، قد تقضون بها غرضًا من أغراضِ الدنيا، لكن مع ذلك لا يزال مع ذلك الخيرُ كلّ الخير في المؤمنة، فلا تلتفتوا إلى الحُسن (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) لا تزوّجوا غيرَ المسلمِ مطلقًا - وإنْ كتابيًّا - المسلمةَ، وهذا على عمومه، فلا يحلُّ لغير المسلم نكاحُ المسلمة ولو كان كتابيًّا، وخالفَ إباحةَ الكتابية للمسلم؛ لأنّ القوامةَ في البيتِ للزوجِ، فلا يجوزُ أن يكون غير مسلم وإن كتابيا قيّمًا على مسلمةٍ؛ لأنه يخشى عليها منه الضرر في دينها، ولأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، والمسلم على الكتابية لا ضرر يصل إليها منه، فالكلمة والقوامة له في البيت، وهو يؤمن بما تؤمن به من الأنبياء وزيادة، فلا يؤثر عليها بما تفقد به شيئًا مِن دينها، بخلاف العكس وهو الكتابي على المسلمة؛ لأنهُ زوجٌ، وتأثيرهُ أقوَى مِن تأثيرها، وقد يجرها إلى أن تترك إيمانَها بمحمد صلى الله عليـه وسلم، لذا هو ليس كفؤا لها، ولا يكون كفؤًا لها إلا أن يدخلَ الإسلام (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ) مملوك من أدنى المسلمين منزلةً (خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) خير من حرٍّ غير مسلم (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) غيرُ المسلم في مظهرِه وسلوكِه، أو منصبه، أو مهارته (أُولَئِكَ) مَن تقدمَ ممن لا يحلُّ لكم نكاحُهنّ ولا إنكاحُهم بالزواجِ بهم (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أسبابِ دخول النار؛ مِن العقائد الفاسدة، والشبهات الواردةِ الملبسة، بسبب كثرة المخالطة والمعاشرة بين الأزواج، فيخشى أن ينجر المسلم منهما بسببِ المخالطة الدائمة إلى الكفر، والكفر يؤدي إلى النّار (وَاللهُ يَدْعُو إِلَى) الأخذ بأسباب (الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ) مِن الاعتقاد الصحيح والعمل الصالح، الموصلين إليهما (بِإِذْنِهِ) ومشيئتهِ (وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يدعوهم إلى الإيمان، ويبينه لهم بالحجج والدلالات؛ ليتذكر الغافل، ويتعلم الجاهل.

التبويبات الأساسية