المنتخب من التفسير -الحلقة 225- سورة النساء

بسم الله الرحمن الرحيم

المنتخب من صحيح التفسير

الشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

 الحلقة (225)

(وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)[النساء:23-24].

 

(وَرَبَآئِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم) ربائب جمع رَبِيب، على وزن فَعِيل بمعنى مفعول، أي مُرَبَّى، وهو مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، ولحقته التاء في ربيبة لإجرائه مجرى الأسماء الجامدة، و(مِن نِّسَآئِكُمُ) متعلق بـ(رَبَآئِبُكُمُ) والربيبة: بنتُ الزوجة مِن رجلٍ آخر، فهي تحرم على زوج أمها، بشرط الدخول بأمها، لا بمجرد العقد على الأم؛ لقوله (الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ) والباء في (بهنّ) للتعدية، وأفادت معنى المصاحبة، أي دخلتم بهن مصاحبات لكم، ثم صرحت الآية بمفهوم الصفة، وهي قوله (فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) فرفعتْ أيَّ احتمال في كون القيد في قوله (الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ) غير مراد، وقوله (اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) الحجور جمع حِجْر، وهو ما بين رجلَي الجالسِ المتربع، والمعنى: في كفالتكم؛ لأنّ رعاية المكفول الصغير تبدأُ بوضعه في الحِجر، وقيدُ اللّاتي في حجوركم لبيان الواقع لا مفهوم له، فإنّ الربيبةَ تحرمُ على زوج أمّها ولو لم تكن في كفالته (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ) جمع حليلة، بمعنى مُحلَّلة، وهن زوجاتُ الأبناء، حرمهنّ الله على آباء الأزواج، مهما علا الآباء، ومهما نزل الأبناء، فهو جمع مضاف دالٌّ على العموم، وتقييده بقوله (الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) لإخراج أبناءِ التبني من غير الأصلاب، فإنّ زوجاتهنّ لا تحرمْنَ على آبائهم بالتبني، وقد كان التبني فاشيًا في الجاهلية، متمكنا فيهم، وحرمة الابن من التبني بينهم كحرمة الابن من النسب، فكانوا يجعلون زوجة الابن من التبني محرمةً على الأب، كزوجة الابن من الصلب، فأبطلَ الله ذلك بقوله: (وَما جَعَلَ أدْعِياءَكُمْ أبْناءكُمْ)([1])، وأبطله كذلك بالسنة العملية، فزوَّج اللهُ تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم زينبَ بنت جحش، زوج ابنه من التبني زيد بن حارثة، الذي كان يُدعَى زيدَ بنَ محمد، فقال تعالى: (فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا)([2])، وقال تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ)([3]).

(وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) هذا كما تقدم في قوله: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ)، يشير إلى أن الجمع بين الأختين كان من نكاح الجاهلية معروفًا، كنكاح زوجاتِ الآباء، فنهى عنه في الحال، وعفَا عمَّا كان منه في الماضي، قبل نزول النهي، ولذلك جاء الحظر فيهما بالنهي الداخل على الفعل المضارع، الدال على الحال والاستقبال، وأتبعه بّأن ما كان قبلَ ذلك لا إثمَ عليهم فيه؛ تصحيحًا لأنكحتهم في الجاهلية، وحفاظًا على أنسابهم، قال ابن عباس: “كان أهلُ الجاهلية يحرمون ما يحرمُ الإسلامُ إلا امرأةَ الأب، والجمع بين الأختين”([4])، وهذا بخلاف تحريم الأمهاتِ وما عطف عليهن، فقد كان معلومًا تحريمُه عندهم قبل الإسلام، ولذلك جاء حظره بصيغة التحريم في الماضي (حُرِّمَتْ) وهو خبرٌ يرادُ به الإنشاءُ، الدالُّ على التحريم والمنع (إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) لا يؤاخذُكم على ما فعلتموه مِن الجمع بين الأختين ونكاح امرأة الأب قبل ورودِ النهي.

(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ) من الإحصان، وهو في اللغة المنعُ، يقال: حصنت المرأة مثلث الصاد، فهي حاصن، وأحصنت اسم الفاعل منها يأتي على مُحصِنة ومحصَنة على غير قياس بمعنى: عفّت، ومحصنة على وزن اسم المفعول إذا أحصنها غيرها، وهو المراد هنا، فقوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ) بالفتح عند جميع القرّاء اسم مفعول، أي ذوات الأزواج، فهن محفوظات بأزواجهن، مختصات بهم، لا يشارك أحدٌ الرجل في امرأته.

ومادة الإحصان تأتي على أربعة معانٍ: على ذواتِ الأزواج، كما في قوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ)، وعلى العفة، كما في قوله: (وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ)([5])، وعلى الثيبات خلاف الأبكار، كما في قوله تعالى: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ)([6])، وعلى الحرائر المسلمات خلاف الإماء، كما في قوله: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)([7]).

وقوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ) عطفٌ على المحرماتِ مِن الأمهات وما بعدهنّ، أي: حرمتْ عليكم أمهاتكم… وأن تجمعوا بين الأختين، وحرمتْ عليكم ذوات الأزواج، فلا يجوز العقد على المرأة المتزوجة، إذ لا يتعدد الرجال على المرأة الواحدة بالنكاح إجماعًا، وكان ذلك في الجاهلية وأبطله الإسلام، ومن صوره عندهم الاستبضاع، بأن يرسل الرجل امرأته إلى رجل آخر يسترسلُ عليها، ولا يعود إليها زوجها، حتى يظهر حملها؛ طلبًا لنجابةِ الولد([8])، ومنه على ما جاء في حديث عائشة أن يتواردَ العشرةُ على المرأة، فإذا ما ولدتْ أحضرتهم جميعًا، وقالت: قد علمتم ما كان منكم، فلا أحد يعترضُ، ثم تلحقُ الولد بمن شاءتْ منهم، فتقول: هذا ولدك يا فلان، فلا يستطيع أن ينكره ([9]).

وقد حرمَ اللهُ بهذه الآية المرأةَ المتزوجةَ على غير زوجِها، واستثنى من ذلك مِلك اليمين مِن السبي، فقال (إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) إلّا ما أخذتموه من المغانم في قتالِ المشركين بالسبي، فإنّ السبي من المغانم يهدمُ النكاح، ويحلُّ لكم المسبيةَ، حتى لو كانت وقتَ السبي ذاتَ زوج، ففي حديث أبي سعيد رضي الله عنه: (أَصَابُوا سَبْيًا يَوْمَ أَوْطَاسَ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَتَخَوَّفُوا، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ))([10]).

وللآية تفسير آخر لبعض الصحابة، ذكره مالك في الموطأ: أنّ المحصناتِ من النساء الأجنبياتُ، متزوجات أو غير متزوجات، حرائر أو إماء، عفيفات أو غير عفيفات، وإلا ما ملكت أيمانكم، ما استمعتم بهن بعقد نكاح، أو ملك يمين، فأضاف هذا التفسيرُ إلى المعنى السابق تحريمَ الزنا، وأنّ المرأة إذا كانت خليةً من زوجٍ لا تحلّ إلا بالنكاح، أو ملك اليمين([11]).

ولا يهدم ملكُ اليمين النكاحَ إلا عن طريق السبي، لا في ملكه بشراءٍ عند جمهور الصحابة والفقهاء.

وأُعطي ملك اليمين بالسبي هذه الخصوصيةَ، باستباحةِ المسبيةِ المعقودِ عليها من نساء الكفار؛ حتى لا يتكالبَ أعداءُ الله على قتال المسلمين، فإن أشدَّ ما كانوا يخشونَه في حروبهم أن تُسبى نساؤهم.

(كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) منصوبٌ على المصدر بفعل محذوف، أي: كتب الله عليكم تحريم ما تقدم من المحرّمات كتابًا، وفرضه فرضًا، وإضافة المصدر هنا لا تنافي أنه مؤكِّدٌ، فليسَ هو لبيان النوع.

[1]) الأحزاب:4.

[2]) الأحزاب:37.

[3]) الأحزاب:40.

[4]) مصنف عبد الرزاق:10810.

[5]) النساء:25.

[6]) النساء:25.

[7]) النساء:25.

[8]) البخاري:5127.

[9]) البخاري:5127.

[10]) مسلم:3601.

[11]) الموطأ:1526.

التبويبات الأساسية