المنتخب من صحيح التفسير -الحلقة 187- تابع سورة آل عمران

بسم الله الرحمن الرحيم

المنتخب من صحيح التفسير

الشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الحلقة (187)

(مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[آل عمران:117].

 

(مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ) الصِّر: البرد الشديد (أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ) استأصلت زرع قوم وأهلكته (وَلَٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) تقديم أنفسهم على الفعل لا للحصر، وإنما للفاصلة؛ لأنهم لا يظلمون أنفسَهم وحدَها، بل يظلمونَ غيرهم أيضًا بصدهم عن سبيل الله، والآية بيانٌ لإنفاقِ أموال الكفرة والمنافقين، ومَن يسلك مسلكهم من المسلمين، في إنفاق المال في غير وجهه، في الصدِّ عن سبيل الله بكل وجوهِ الصدِّ، ومنه ما يفعله بعض حكام العربِ؛ يشترونَ بأموالهم السلاحَ بمبالغَ كبيرةٍ مِن أعدائهم، يسترضونهم بتلكَ الأموالِ الهائلةِ لأمرينِ؛ ليحفظُوا لهم عروشَهم، وليتولى به  أصحابُ العروشِ قتلَ المسلمينَ، ويدفعُوا فواتيرَ المرتزقةِ لقتلهم، ولتستمرَّ القلاقلُ ويطولَ أمدُ الصراع، كما  فَعلَ ويفعلُ حكامُ الإماراتِ والسعوديةِ، في ليبيا واليمن ومصر وسوريا وفلسطين المحتلة، وفي كلِّ بلدٍ يتطلعُ شعبُها إلى التحررِ مِن الظلمِ والاستعباد، يقومونَ بذلك بالوكالة عن الأعداءِ، دونَ خوفٍ مِن اللهِ ولا حياءٍ.

فهذا الإنفاقُ أشبهُ بإنفاقِ الكافرين أموالَهم، الذين قال الله فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ)([1]).

بل حتى ما ينفقه الكفرةُ والمراؤونَ فيما يُظنّ نفعه؛ كإكرام الضيف، وإغاثة الملهوف، وعون المحتاج، أو في العصر الحديث الوقف الخيري لتطوير الأبحاث، وبناء المؤسسات التعليمية أو العلاجية، كل ذلك يذهبُ سدًى في الآخرةِ، لا يتحصلونَ منه على شيء؛ لأن شرطَ قَبول العمل والمكافأة عليه في الآخرةِ الإيمانُ والإخلاصُ، وقد أعرضوا عنه، وفي الآية تشبيهٌ بحال ما ينفقونه بزرع كلَّفَ أصحابُه أنفسَهم في إعداده ما تكلفوه؛ حرثوا له الأرض، ومهدوها، وزرعوها، وانتظروا الحصاد، فأصاب زرعَهم ريحٌ فيها برد شديدٌ، أماتَهُ واستأصَله، ولم يُبقِ لهم منه شيئًا، وما ظلمهم اللهُ بإرسالِ الريحِ على زرعِهم، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، فاستحقوا ما أصابهم مِن فقد أموالِهم دون طائل.

والسبب في ذلك أنّ إنفاق المشركين والمنافقين، ومَن سلكَ سبيلهم مِن المسلميَن وخدمَ مشاريعَهم، وإنْ كانَ بعضُ هذا الإنفاق على إغاثة المسلمين؛ فهو إنفاق خيلاء أو خوفٍ، فمَن اتصفَ مِن المسلمين في الإنفاق بصفاتِ غيرِ المسلمين، مِن الفخرِ والخيلاء، أو مداهنةً وإكراهًا؛ أصابَ نفقاتِه ما أصابَهم.

[1]) الأنفال:36.

التبويبات الأساسية