بسم الله الرحمن الرحيم
المنتخب من صحيح التفسير
الشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني.
- الحلقة (43).
(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ).
القرية: البلدةُ المشتمِلةُ على البِناء، صغيرةً كانت أو كبيرةً، اشتقاقها مِن القَرْي، وهو الجَمع، لاجتماعِ الناس فيها، ولا تسمى بذلك إلا أن تكون ذات بناءٍ بالحجارةِ، لا بالوَبر، ولذا يقولون في التفريق بين أهل الحضر في القرى، والبوادي في الصحراء: أهل المدر وأهل الوبر، والمرادُ بها في الآية إحدَى مدنِ الأرضِ المقدسةِ القريبةِ من قوم موسى، التي أُمروا بدخولِها، فإنه لمّا خرجَ بنو إسرائيل مِن مصر، ووُعِدوا الأرضَ المقدسَة، قيلَ لهم على لسانِ موسى عليه السلام: (ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة) من قرى بيت المقدس.
(فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا): كلوا ممّا في الأرضِ المقدسةِ مِن خيراتٍ وافرةٍ، فهي أرضٌ مباركة، ذاتُ زرعٍ وضرعٍ، وثمارٍ وفواكهَ وأشجارٍ، والرغدُ: العيشُ الهنيءُ الواسعُ.
(وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وقُولُوا حِطّةٌ): ادخلوا القرية متواضعين، مظهرين الذلةَ لله، معبّرين حينَ دخولِكم القريةَ عن ضعفكُم وتواضعكُم بهذا اللفظ: (حِطّة)، طلب منهم ذلك لإعدادهم لدخول الأرضِ المقدسة، الذي أُمِروا به، فقد أرسل موسى عليه السلام اثني عشرَ رجلًا مِن قومِه، مِن كلّ سبطٍ رجلا؛ ليستطلعوا له قوةَ مَن كان فيها من الجبابرة، وأمرهم حين الدخول بالتنكر حتى لا يُتفطن لهم، بأن يدخلوا باب القريةِ متواضعين (سُجَّدا)، مُطأطِئِي الرؤوس شكرًا لله، مُظهرين لمَن يراهم مِن أهل القريةِ التواضعَ والمسكنة، حتى لا يشكّوا في أمرِهم، وأنّ عليهم مع الحِطّة والطأطأةِ في الهيأةِ أن يُعبّروا عن ذلك بالقولِ أيضًا، إظهارًا للمسكنة، على هيئةِ المتسولينَ، مبالغةً في التنكّرِ.
فلمّا دخلُوا القرية واختبروها وجدُوا الأرضَ ذاتَ خيراتٍ وفواكهَ وثمارٍ وأنهارٍ، وأنّها وإن كانت محصّنةً، فإنّه مقدورٌ على دخولِها والتغلبِ عليها، لكنهم عندما رجعُوا انقسمُوا؛ فرجلانِ منهمْ صَدَقا، وذكرَا ما رأَيَا في القريةِ من الخيراتِ، والقدرة على التغلب عليها، وأمّا الباقونَ فذمُّوها، وبدَّلُوا قولًا غير الذي قِيل لهم عنِ الأرضِ، ممّا حدَّثهُم به أهلُها، وقالوهُ لهم عنها، وقالوا خلافَ ما علمُوه، فقالوا: إنّ أهلَها جبابرةٌ، ولا يمكنُ دخولُها، فخوَّفوا بني إسرائيلَ، وثبَّطوهُم، وقالوا لموسى عليه السلام: (اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)[1].
(نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ): الخطايا جمعُ خطيئةٍ، وهيَ الذنْبُ والمعصيةُ، وهذا وعدٌ لكلّ مَن وَفّقَه الله تعالى لأداءِ ما أُمر به، أنْ يزيدَه - مع العزم على أداءِ ما طلبَ منه - مِن خَيرَي الدنيا والآخرة.
[1] [المائدة:24].