المنتخب من صحيح التفسير - الحلقة 4 - تابع سورة الفاتحة

بسم الله الرحمن الرحيم

المنتخب من صحيح التفسير

الشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني.

- الحلقة (4)

(رَبّ العَالَمِينَ الرحمَنِ الرحِيمِ مَالِكِ يَومِ الدِّينِ):

(الرب): السيد المطاع، والمالك المنعم، والمصلح للشيء؛ الراعي والحافظ له، والرب معرّفا بالألف واللام، لا يطلق إلا على الله تعالى، ومثله السيد والمولى، فعندما قال وفد عبد القيس للنبي صلى الله عليهِ وسلم: أنت سيدنا، قال: (السيد الله)[1]، ويطلق لفظ (رب) على غير الله تعالى مقيّدا بالإضافة؛ فيقال: ربّ الدار، ورب المال، وسيد فلان ومولاه، قال تعالى: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)[2]، وأما ما جاء في صحيح مسلم؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمُ اسْقِ رَبَّكَ أَطْعِمْ رَبَّكَ وَضِّئْ رَبَّكَ، وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ رَبِّى، وَلْيَقُلْ سَيِّدِى مولاي، وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي، وَلْيَقُلْ فتَايَ فَتَاتِي غُلَامِي)[3]، ما جاء من النهي عن هذا ونحوه في السنة، محمول على الإرشاد إلى الأفضلِ، لا على التحريم والمنع، فقد قال صلى الله عليه وسلم في النهي عن التقاطِ ضالَّة الإبل: (ترِدُ المَاءَ وتَأْكُلُ الشَّجَر حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا)[4].

(العَالَمِينَ): جمع عالَم: اسم جمع لا واحدَ له مِن لَفظِه، يُطلَق على كلِّ ما سِوى اللهِ تعالى مِن الأمم والأجناسِ كلّها؛ إنْس وجنٌّ وملائكة وطيرٌ ووحش، وسائر المخلوقات، وأهل كلّ زمان هم عالمُ ذلك الزمان؛ لذا جُمعَ في الآيةِ على العالمين.

(الرّحمَنِ الرَّحِيمِ): تقدّم الكلامُ على هذينِ الاسمين، وعن صفةِ الرّحمةِ في البسملَةِ.

(مَالِكِ يومِ الدِّينِ): قُرِئ مالِك ومَلِك، وكِلاهما من المُلك بالضم والكسر، يرجع معناه إلى شدّ الأمر وإحكامه وضبطِه، ومِنه الإملاكُ في النكاح، وهو العقد والتزويج؛ لأن عقد النكاح فيه إلزام وضبطٌ وارتباط، ومعنى (مَلِك)؛ أنّ المُلك في ذلك اليوم خالصٌ له وحده، وليس لأحدٍ معه ملك، كلّ مَن كان له تصرف في شيء، حيل في ذلك اليوم بينه وبينه: (لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَابًا)[5].

 يتلاشى ويضمحل كل من كان يتعاظمُ مِن الملوك، ويستبدُّ مِن الحكام والسلاطين وقادة الجيوشِ، فإن الباري عز وجلّ حين لا يبقى في الكون أحد غيره ينادي: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فلا أحد يجيب، فيجيب وحده (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار)[6].

وتعرّض بعضِ المفسرينَ لتفضيلِ إحدَى القراءتين، (مَلِكِ) و(مَالِكِ)، على الأخرى في المعنى، مثلُ قولهم في تفضيلِ مالك؛ إن المالكَ مَن يتصرفُ في مالِه بالمصلحةِ، والملِك مَن يتصرف في مال غيره بالمصلحة، أو قولهم؛ إنّ الملِك أعم سلطانًا مِن المالك، فكلّ ملك مالكٌ لا العكس، وأن الملِك أفخمُ في المدحِ.

أقول: ما ذكروه مِن هذا ونحوه؛ لا داعيَ له، فهو غيرُ وارد في حق الله تبارك وتعالى؛ لأنّه لما كان المُلك كلّه له، كان كل ما أضيف مِن مالك وملك إلى يوم الدين؛ يدل على التصرف المطلق لله وحده، في ذلك اليومِ.

(يَوم الدِّينِ): يوم الجزاء، ومنه: (كَما تَدينُ تُدانُ)[7]، فيومُ الدينِ يومُ القيامةِ والجزاءِ على الأعمال، بدايتُه بفناء الخلائق جميعًا، والنفخة الثانية في الصُّور، وينتهي بدخولِ أهلِ الجنةِ الجنةَ، وأهلِ النارِ النارَ.

 

 


[1] [أبوداود: 4806].

[2] [يوسف:42].

[3] [البخاري:2414، مسلم:4275].

[4] [البخاري:91، مسلم:1722].

[5] [النبأ:38].

[6] [غافر:16].

[7] [أحمد بن حنبل في «الزهد» برقم (773)، موقوفا على أبي الدرداء].

التبويبات الأساسية