بسم الله الرحمن الرحيم
أشياع من يبغونها عوجا
قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وأنتم شهداء).
استحق اليهود التوبيخ والتقبيح مرتين في هذه الآية، وفي التي قبلها في قوله تعالى: (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ).
استحقوا التوبيخ للكفر وللدعوة إليه بالصد عن سبيل الله، وسبيلُ الله هي التي يُوَصّلُ اتباعُها إلى النجاةِ والدينِ الحق، وغرضهم من هذا الصد (يبغونها عوجا)، يطلبون ويسعون إلى الفساد وإلى أن تكون سبيلُ الله عوجاء ملتبسة على من يريدها، وهي محجة بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك!
عَمِل اليهود قديما وقت نزول القرآن على صرف (من آمن) من المسلمين عن دينهم بالتنفير منه تارة، وبالفتن وتفريقِ الصفوفِ وإشعالِ الحروبِ تاراتٍ أخرى، فقد كان الكيد والمكر بالمسلمين هو شغلهم الشاغل، نكثُوا العهود، وتحالفُوا مع الأحزابِ على غزوِ المدينة، وحاولوا أنْ يحرّكوا مَا كان بينَ الأوسِ والخزرجِ مِن اقتتالٍ في الجاهلية، فحرّضوهم حتى تنادَوا للسلاح.
وما يقومون به اليوم، مِن خلالِ المشروعِ الصهيونيّ في المنطقةِ، بوسائلَ عدوانيةٍ شتَّى، هو امتدادٌ للعوجِ الذي ذَكرتِ الآيةُ أنّهم كانوا يبغونَهُ مِن قديم، فهو منهم غير مستغرب، لكن المحيرهو تهالك أشياعهم من بني جلدتنا على نصرتهم، فهم الآن يفعلون فعلهم، يعادون الدين وأهله، ويبغون سبيل الله عوجا!
قاموا مقامهم في الموقف من المقاومة لاحتلالهِم بلادنا، وتدنيسِهم مقدساتِنا في رميهم بالإرهاب وأخواته من الشعاراتِ التي يتسلطون بها، لا على من يقاوم احتلالهم فحسب، بل على كل القائمينَ بالحقِّ داخل فلسطينَ من المجاهدين، وخارجَها مِن العلماءِ والدعاةِ الصادقين.
يطلقون عليهم هذه الشعارات ويردِّدُها معهم عملاؤُهم وأشياعهم ممن يبغونها عوجا، للتخلص من كل معاد للنفوذ الأجنبي في وطنه، لا يبالون بذلك مهما بلغ الثمن الذي دفعه الأبرياء من الرمي بهذا الشعار.
فالإرهاب هو الذي قضت به الدول الكبرى على سوريا واليمن والعراق بالتحالف مع عملائهم من حكامها، أشياع الذين يبغونها عوجا.
وهو الشعار الذي شن به حفتر عدوانه الغادر بدعم من الدول الكبرى على طرابلس، الذي تمر ذكراه الأليمة هذه الأيام، وذهب بألف وثمانمائة قتيل من قوات بركان الغضب، نحسبهم شهداء عند الله، وبعشرات الآلاف من الجرحى والمهجرين.
وهو الشعار نفسه الذي دمر به حفتر وأعوانه من الداخل والخارج درنة وبنغازي، ودكوا به مدن الجنوب.
شعار الإرهاب من الشعارات المصنوعة في دهاليزِ مخابراتِ الدول الكبرى، الراعية للمشروع الصهيوني، وُضع للتخلص من خصوم القهر والعمالة والاستبداد، ويُربَط في العادة بالإسلام، استعداء لأمم الأرضِ عليه، وللتنفيرِ مِن دعوته، التي تَنْسابُ في بلادِهم انسيابَ الماءِ الزُّلالِ.
فمن يؤوي المجرمين الفارين بدماء المقابر الجماعية في ترهونة وغيرها، ومن يدعم الانقلابيين بالسلاح أو البيانات أو الإعلام المضلل، أو يقوم بالاحتجاز في سجون التعذيب خارج القانون، أو يقوم بمبايعات النفاق باسم الأعيان والقبائل، ومن يَلبسون لَبوس السلفية ويقاتلون مع عدو الدين في خندق واحد، كل أولئك وإن كانوا من بلادنا فهم أشياع اليهود الذين يبغونها عوجا!
ومن يقومون في عالمنا العربي بإثارة الفتنِ والنزاعاتِ والخصوماتِ؛ لشغل الناس عن النهوضِ ببلدانهم بمعارك وحروبٍ طاحنةٍ تُذهبُ ريحَهم، وتدمّرُ بلدانَهم؛ لتعيش الأمةُ ممزقةً، وشعوبُها مهجرة فارّة مطاردةً مِن حكامِها الظلمة، تبحثُ عن لقمةِ العيشِ - هم ممن يبغونها عِوجا!
يفعلون ذلك لتبقى الأمة مقهورةً مسلوبةَ الإرادةِ، تحتَ هيمنةِ أعدائِها، تُحكم مِن خلالِ عملاءَ لهم يحمون لهم سلطانهم، ليقتلوا شعوبهم بالسلاح الذي يشترونه منهم، كل أولئك أشياع اليهود الذين يبغونها عوجا!
ومن استجرّهمُ الصهاينةُ من الحكام إلى مَا يسمّونهُ التطبيعَ، الذي سلبهم مقدساتهم باسمِ التسامحِ الدينيّ، وهو موالاة للعدو حرمها الله تعالى في قوله: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، واستزلوهم إلى أن يقولوا بقوله في أمر دينهم، فصوروه بصورة إلحاديةٍ محرّفةٍ، أطلقُوا عليها (الدّين الإبراهيمي) هؤلاء الحكام الذين يسترضون أسيادهم بكل ثمن ولو مرقوا عن دينهم - هم مِثلُهم يبغونَهَا عِوجًا، وإن زعموا غير ذلك، وقد خُتِمت الآية بتهديد لا ينفع معه زعم ولا تحايل، قال تعالى: (وما الله بغافل عما تعملون)!
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الثلاثاء 23 شعبان 1442 هـ
الموافق 6 أبريل 2021 م