‏على هامش مؤتمر وزراء دفاع العالم الإسلامي في السعودية

‏بسم الله الرحمن الرحيم
 
‏على هامش مؤتمر وزراء دفاع العالم الإسلامي في السعودية
 
 
‏استقبلت الإدارة الامريكية الأسبوع الماضي بحضور رئيسها جثامين ثلاثة من عساكرها قُتلوا في الأردن، لا دفاعا عن تراب أمريكا، بل قُتلوا بأراضٍ أخرى لهم فيها قواعد، ووصفوا من قتلوهم بالإرهاب، فلا يمكنهم التسامح معهم، لأنه ضار بهيبة أمريكا وتَنَقُّص من مقامها، وتوعدوا من قاموا به بمعاقبة رادعة متعددة المراحل!
‏إذا كان قتل ثلاثة عساكر على غير أرضهم إرهابا يستوجب القصاص المتعدد المراحل من فاعله، فقتل ثلاثين ألفا من الأطفال والمدنيين العزل على أرضهم في غزة ومعهم عشرات الآلاف من الجرحى بطائرات وذخائر وأموال أمريكا ماذا يسمى إذا؟!
‏حصار المدنيين والجرحى والأطفال، والمجاعة التي لا نظير لها في العالم في غزة، حسب تقرير الأمم المتحدة، والقصف العشوائي المتواصل وضحاياه كل يوم بالمئات، بين قتيل وجريح على مدى الشهر الخامس الآن، كل ذلك لم يحرك في إخوانهم من حكام العرب نَخوةً ولا نُصرةً، لا بمعناها الشرعي، ولا حتى بمعناها الجاهلي في نصرة المظلوم!
‏ليسوا عاجزين فقط عن أن يقاتلوا معهم عدوهم وينصروهم كما فَرض عليهم ربهم في كتابه العزيز، في قوله تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)، بل عاجزين عن أن يكسروا حصار تجويعهم، ويمكنوهم من لقمة تسد رمقهم تحول بينهم وبين الموت جوعا!
‏أمريكا صديقة حكام العرب، أموالَهم في خزائنها يدعَمون بها مصانعَها الحربية وغير الحربية، استحيُوا جميعا أن يستعملوا نفوذهم معها ولو في هذه المرة الواحدة، ليتحصلوا منها ولو على الحد الأقل من الأدنى، وهو إدخال الإغاثة لأطفالٍ يموتون جوعا وعطشا.
‏وإمعانا في الاستخفاف بالمجاهدين في غزة وفلسطين، وبمأساتهم الإنسانية المريرة، دعت السعودية هذا الأسبوع إلى مؤتمر استضافت فيه وزراء جيوش العالم الإسلامي، الذين تقدر أعداد جيوشهم بخمسة ملايين - لِعُمرة مجانية، و(بوفيهات) ومطاعم مفتوحة، وأطفالُ غزة الذين يموتون جوعا ممنوعون مما ترميه هذه المطاعم في القمامة آخر النهار!
‏… أول ما سمع صاحبٌ لي بهذا المؤتمر، والنار تشتعل في أراضي مقدسات المسلمين، سأل رفيقه:
‏هل اجتمع وزراء الدفاع ليُزوّدوا إخوانهم أهل فلسطين بالطائرات والقنابل والمعدات ليحرروا مقدسات المسلمين في فلسطين، كما تفعل أمريكا مع حليفها الصهيوني، تمده بكل ما يحتاج إليه؟
‏قال له رفيقه: لا لا!
‏رد صاحبي عليه، إذا لا بد أن يكونوا قد اجتمعوا لرفع الحصار وإدخال الإغاثة والطعام لأهل غزة، حيث وجدوا أمريكا لم تعبأ برفعه عنهم، فقرر وزراء الدفاع أن يتخذوا موقفا من أمريكا لفك الحصار، لأنهم أدركوا أن الإدارة الأمريكية هي من الناحية الفعلية مشاركة في الحصار، وإن كانت في المحافل الدبلوماسية تصرح به للصهاينة على استحياء، خدمة لحملتها الانتخابية في أمريكا، كما فعلت في انتقائها عددا من المستوطنين في الضفة الغربية فاتهمتهم بالتطرف وفرضت عقوبة عليهم، وكأن ما فعله هؤلاء المستوطنون يحدث لأول مرة في الأراضي المحتلة!!!
‏هكذا ظن صاحبي أن القوم غضبوا فتنادَوا إلى هذا المؤتمر ليقولوا كلمتهم على أمريكا، فلا تَقدر أن تقف في وجههم جميعا!
‏فلما قيل لصاحبي: ولا فكُّ الحصار أيضا انعقد له هذا المؤتمر!
‏قال إذا: ماذا عساه أن يكون وزراءُ العالم الإسلامي اجتمعوا لأجله؟
‏قيل له: اجتمعوا لمكافحة الإرهاب!
‏فأحسن الظن، وقال: صحيح والله، إن ما يفعله الكيان هذه الأيام بأهل غزة من إبادة جماعية هو إرهابُ دولة وأي ارهاب! بل هو إرهاب دول!
‏وأضاف: لقد أحسن وزراء دفاع العالم الإسلامي باختيارهم عنوان مكافحة الإرهاب على غزة لمؤتمرهم في هذا الوقت العصيب.
‏فقيل له: لا لا لا، ليس الأمر كذلك!
‏فقال إذا: أي إرهابٍ وزراءُ جيوش المسلمين يناقشونه؟!
‏قيل له: مكافحة الإرهاب الذي عقد له هذا المؤتمر هو الإرهاب المصنوع في دوائر مخابرات أمريكا، والذي لم يضعوا له تعريفا بعد، لتتخذه أمريكا ذريعة عندما تريد البطش بمن تريد البطش به في بلاد المسلمين، كما فعلت في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وأفغانستان، بعد أن خرج منها الروس، لا قبله، ولتتحكم من خلاله في مناهج معاهدهم ومدارسهم وما يُسمح لهم به من الثقافة والفكر، وما لا يسمح!
‏وقيل له: والمجاهدون من فصائل المقاومة في فلسطين اليوم، هم من المصنفين في قوائم الإرهاب الذي عقد المؤتمر لأجله، وكذلك كثير من العلماء في العالم الإسلامي، وأن السعودية، الدولة المضيفة، أنفقت عليه منذ أن تأسس إلى حد الآن أكثر من مائتين وستين مليون دولار!
‏وما أن سمع صاحبي هذا القول عن مؤتمر الإرهاب حتى وقع مَغْشيا عليه، ولم يلحق أن يسترجع لهول المصيبة!
‏27 رجب 1445 هـ
‏الموافق 8 فبراير 2024
 
 

التبويبات الأساسية