بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد،
فعلى الرغم من أن كل من كان له نصيب من المعرفة في العالم اليوم من أقصاه إلى أقصاه، شرقه وغربه، المسلم منه وغير المسلم، يعلمون جميعا على حد سواء أن المسيح عليه السلام لم يولد في الخامس والعشرين من ديسمبر، وأن عيد الميلاد الذي يحتفل به آلاف الملايين في هذا التاريخ هو خرافة لا حقيقة لها، وأنه لا أحد من النصارى ولا غيرهم يعرف أي شهر ولد المسيح عليه السلام، ويعلمون أن هذا التاريخ الذي يحتفلون فيه بعيد الميلاد هو عيد وثني كان الرومان يحتفلون فيه بإله الشمس، لأن الشمس في هذا التاريخ تبدأ حركتها في التغير حيث ينتهي التناقص الشتوي للنهار، ليبدأ في الزيادة ـ على الرغم من معرفة هذا كله والتسليم به فإنك تعجب حين تجد الغالبية العظمى من سكان العالم يصدقون أكذوبة ولادة المسيح عليه السلام في هذا التاريخ، ولا يزالون إلى يومنا هذا في عصر الحضارة والعولمة وانتشار المعرفة منساقين وراء هذه الخرافة، فما هي إلا أن تدق طبول المناسبة حتى يبدأ الإعداد لاحتفال المجون وضرب النواقيس وعبادة الصليب، ليؤكدوا وثنية العيد ويُحتفل بها، وتحت تأثير الإعلام الذي يسوقه اليهود ومن نحا نحوهم صار هذا الاحتفال (موضة) العصر حتى لكثير من المسلمين، فصاروا يحتفلون هم أيضا بأعياد الميلاد المزعومة، ويتبادلون التهاني، ويوقدون الشموع على كؤوس الخمر ومصاحبة النساء.
هذه مناسبة دينية للنصارى يؤكدون فيها كفرهم الذي أخبر الله تعالى به عنهم في أكثر من آية من كتاب الله، فقال:( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ،( (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ )، فهل التهنئة في هذا العيد تهنئة بالكفر ومباركة له أم ماذا؟!!
الصحيح عند العلماء أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، قال المقري: (الإجماع على أن الكفار مخاطبون بالإيمان، وظاهر مذهب مالك أنهم مخاطبون بالفروع كالشافعي)، ويدل على أنهم مخاطبون قول الله تعالى:( وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ ): وقوله عز وجل:( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ... ).
والصحيح جواز معاملتهم مع عصيانهم ومخالفاتهم وفساد أموالهم، لقول الله تعالى: ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ )، وقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لعياله .
فهم عاصون بإقامة أعيادهم الدينية بناء على أنهم مخاطبون، فلا يجوز للمسلم أن يعينهم عليها، فلا يبيع لهم شاة أو طيرا يذبحونه في أعيادهم، ولا يكري لهم ما يركبونه فيها، ولا أن يوصلهم إلى كنائسهم، ولا أن يبارك لهم في أعيادهم ويهنئهم عليها، وبنوا على ذلك أيضا أن المسلم لا يحمل أمه الذمية إلى الكنيسة.
ليلة رأس العام:
ليلة رأس السنة لهذا العام حدث خلالها خسوف للقمر، وخسوف القمر حدث عظيم فيه تنبيه وتحذير يستوجب التوبة والإنابة إلى الله تعالى بالتضرع والصلاة والدعاء حتى ينجلي الخسوف، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قال: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا)، وبدلا من التوجه إلى الله كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء لكشف الضر والتضرع إليه بأن يُجنب البلاد الكوارث والزلازل والويلات ـ ازداد المبهورون بأعياد الميلاد عُتُوًّا وإفسادا، فاكتظت بهم الاستراحات المنتشرة هنا وهناك في المزارع والحقول والأرياف التي ضج الناس والجيران من نتن رائحة ما يجري فيها على مدار العام من فجور وخمور ـ اكتظت ليلة رأس العام ليلة خسوف القمر لكن لا بالدعاء والصلاة، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عند الخسوف، بل بمزيد من المجون والصخب والفجور( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَو أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ).
التهنئة بأعياد الميلاد ورأس العام فرضت نفسها على الناس وقبلوها طوعا أو كرها، وكأنها حق، والإعلام في أنحاء العالم ينقل هذا الزور ويروجه ويحتفي به على الرغم من أنه دائما يدعي البحث عن الحقيقة.
تبعية غير المسلمين في أعيادهم الدينية المزعومة وغيرها من سلبيات مدنيتهم منزلق خطير، وقد جر إليه ما أُشرب في قلوب ضعاف النفوس من المسلمين من التأثر بهم والوقوع تحت سلطانهم ونفوذهم الثقافي والفكري والإعلامي، والنظر إلى كل ما يأتي منهم بالإعجاب والانبهار والرضا، وأنه عنوان الحضارة والتقدم، حتى لو كان ما يأتي منهم هو في عفونته والتوائه وظلمته جحر ضب خرب، على حد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في تحذير المسلمين من تقليدهم الأعمى، ولعل ما سبقت الإشارة إليه من الانحراف السلوكي الناتج عن تقليد غير المسلمين في أعيادهم هو بعض ما يتكشف لنا من حكمة الإسلام في الأمر بمخالفة المشركين ومخالفة اليهود والنصارى، ويتجلى منه سمو هذا التوجيه السديد لحفظ الدين، فقد جاء الأمر بذلك في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، قال الله تعالى:( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ )، فقد كان اليهود يقولون: إن محمدا يتبع قبلتنا فيوشك أن يتبع ديننا، فأمره الله تعالى أن يتحول في الصلاة إلى الكعبة ويخالفهم.
وجاء في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (خالفوا المشركين)، وفي الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ!)، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: (لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ)، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: (صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا)، وجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)، وقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس رضي الله عنه وقد وجد أهل المدينة لهم يومان يلعبون فيهما وذكروا له أنهم كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية فقال: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ)، ونهى صلى الله عليه وسلم عن التخصر في الصلاة، قالت عائشة: وكانت اليهود تفعله.
هذا النهي والتحذير فيمن يتشبه بهم في ديار المسلمين، فكيف بمن يرحل إليهم ليُحيي أعياد الميلاد بين ظهرانيهم وعلى قرع كؤوسهم، ويُنفق على ذلك الأموال الطائلة في المعاصي والشهوات، وناهيك بذلك من ضلال وخور وهوان.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
25 محرم 1431 هـ
الموافق 10 / 1 / 2010