بسم الله الرحمن الرحيم
المصالحةُ الحقيقيةُ لإنقاذِ ليبيا، تبدأُ من المصالحةِ مع النفسِ، لا تحتاجُ إلى ميزانياتٍ ولا أموالٍ، ولا (طاوِلاتِ) حوارٍ .. تحتاجُ فقط إلى مراجعةِ النفسِ، والتخلّصِ مِن الأهواءِ ومن العصبيّاتِ.
العصبياتُ الجهويةُ والقبليةُ، وكذلكَ العرقيّة، لا تُحَلّ بالمزيدِ مِن التحالفاتِ وشراءِ الولاءَاتِ، وإنّما تُحَلّ بحلِّ الإسلامِ.
قبائلُ ليبيا ومدنُها؛ سواء مِن أقصَى الشرقِ إلى أقصَى الغربِ، ومِن أقصَى الجنوبِ إلى أقصَى الشمالِ، وفي الوسطِ والأطرافِ دونَ استثناءٍ، كلّها سواء؛ الصالحُ منهم، الأمينُ الحريصُ على وطنِه وعلى الحقّ القائمِ به، نحبّه ونسانِدُه ونؤَازِرهُ وندافِعُ عنه، أيًّا كانت مدينتُه، وأيًّا كانَ لونُه، وأيًّا كانَ عِرقُه؛ لأنّ اللهَ تبارك تعالى هو الذِي قالَ لنا: (إنَّ أكرمَكم عندَ الله أتقاكُم)، ولأنّ نبيَّنا صلى الله عليه وسلم قالَ لنا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ).
ومَن كان منهم فاسقًا ظالمًا قاتلًا، قاطعَ طريقٍ، فإنّنا نتبرّأُ منه، حتّى يتوبَ، ونأخُذَ على يديهِ حتى يرجعَ إلى رشدِه؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم قال فيما صح: (وايمُ اللهِ لو أنّ فاطمةَ بنت محمدٍ سَرقَت لَقطعْتُ يدها).
لا يحلُّ لجهةٍ أو قبيلةٍ أو حزبٍ أو جماعةٍ أو لونٍ أو عِرقٍ، أن يعطيَ غطاءً لظالمٍ خارجٍ على القانونِ، أو يحميَه أويناصرَه أو يؤويَه، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: (مَن أحدَثَ حدثًا أوْ آوَى محدِثًا فَعليه لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ).
مَن ارتكبَ جنايةً في حقِّ أحدٍ، أيامَ حربِ التحريرِ، يجبُ أن يُعاقَبَ بالقانونِ، إلّا أن يعفوَ المجنِي عليه، ولا تُعاقبَ أسرتُه ولا قرابتُه ولا قبيلته، فذلك إثمٌ كبيرٌ، وظلمٌ عظيمٌ، والله تعالى يقول: (ومَن يظلِمْ مِنكُم نذِقْهُ عذابًا كبِيرًا).
لا تَحلُّ العقوبةُ الجماعيةُ، ولا نرضَى بها؛ لأنها ظلمٌ، والظلمُ حرَّمه الله تعالَى على نفسِه، وحرَّمَه على عبادِه؛ (يا عِبادِي إني حرمْتُ الظلمَ على نفسِي وجعَلتُه بينَكم محرّمًا).
ولأنّ اللهَ تعالى يقول: (كلُّ نفسٍ بِما كَسَبتْ رهينَة)، ويقول: (ولَا تَزِرُ وازرَةٌ وِزرَ أُخْرَى).
المصالحةُ الوطنيةُ بينَ المدنِ والقبائلِ الليبيةِ مطلوبةٌ، معَ مَن في الداخلِ ومَن في الخارجِ، لكنْ لا تنجحُ مساعيها إلّا بعدَ تقديمِ الجُناةِ للعدالةِ.
وكلُّ مَن يتكلمُ - مِن المسؤُولين أو النشطينَ - على المصالحةِ، ولا يُقدّم المتّهمينَ بالقتلِ وانتهاكِ حُرُمات الناسِ وأعراضِهم للعدالةِ، ولا يعملُ على ذلكَ جادًّا، هو عدوُّ المصالحةِ، وإن زَعمَ أنه يريدُها.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الأحد 24 شعبان 1435هـ
الموافق 22 يونيو 2014