(واجب الوقت وترتيب الأولويات )

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

واجب الوقت في هذا الشهر الكريم، أن يلبيَ المسلمون نداء علمائهم الموجّه من الاتحادِ العالمي لعلماء المسلمين؛ لنصرةِ غزةَ بالمالِ والدعاء، ووسائل الدعم المختلفة، المادية والمعنوية، والوقوفِ مع أهلها في محنتِهم المتواصلة، وحصارهم الخانق، تحتَ آلةِ الحربٍ الصهيونية المدمرة الحاقدة، وسطَ دعمٍ من حكوماتٍ عربيةٍ مسلمةٍ للصهاينة، وتزويدِهم بالغازِ والوقودِ، أو بدعم آخرَ معنوي؛ اعتراف وتطبيع ونحوه.

مِن هذا الوقودِ، الذي يتحصل عليه الصهاينة من العرب - دون شك - ما يستعمله العدوّ الآن في آلته الحربية، التي تدك بيوت غزة على أهلها، فيأتي القصفُ الواحد على الأسرةِ بأكملِها، لا يبقي منها أحدًا.

أين الشهامةُ والمروءَة والنّخوة، إن تخليتم عن الديانةِ يا حكامَ العرب والمسلمين ؟!

جزءٌ كبيرٌ من المشكلةِ حصارٌ وفَقدُ إمكاناتٍ ومال، يمكن رفعه أو تخفيفُ وطأتِه على أهل غزةَ لو وَعى المسلمُ اليومَ واجبَه، وأدرَكَ في إنفاقِه على القربِ والطاعاتِ الأولويّات.

المطلوبُ من عامةِ المسلمين أن ينتبهوا، وعلى العلماء أن يُنبِّهوهم في الخطاب الديني؛ الخطبِ والدروسِ، إلى فقهِ ترتيبِ الأولويات في الإنفاقِ على الطاعات.

كما هو معلوم، هناك إنفاقٌ في مرتبةِ الواجبِ المفروضِ، وإنفاقٌ آخر في مرتبةِ القُربةِ المندوبِ.

العلماءُ قاطبةً، على مختلفِ مذاهبِهم الفقهيةِ؛ يقولون إذا غزَا العدوّ رقعةً مِن بلادِ المسلمينَ، يكونُ الجهادُ بالمالِ والنفسِ واجبًا على المسلمينَ جميعًا، حسبَ الطلبِ الذي يندفعُ به العدوّ، ومن المعلومٌ عند أهلِ العلم أنه ليس هناكَ قربةٌ ومندوبٌ أفضلُ في الشرعِ مِن الواجبِ المفروض.

جاءَ في صحيحِ السنة من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ اللهَ تعَالَى قالَ: ومَا تَقَرّبَ إليَّ عبدِي بأفضلَ ممّا افترضتُهُ عليه).

مثالٌ قريبٌ لغيابِ الفقهِ في ترتيبِ الأولويّات هذهِ الأيام:

مئاتُ الآلاف من المسلمينَ يكرّرون الآن العمرةَ في رمضان؛ للمرةِ الثالثةِ والخامسةِ والعاشرةِ أو ربّما أكثر، بأُسَرِهم صغارًا وكبارًا، في الفنادقِ الفاخرة، بالنفقات الباهظة؛ ابتغاءَ الأجر.

كثيرٌ منهم في غمرةِ النعيم والفرحةِ أو الزحمة، لا يتابعُ مأساةَ المسلمين في غزة، أو في غيرها، مما يندّ عنِ الحدِّ والعدّ، أو قد يسمعُ ويتابعُ ما يتعرض له الفلسطينيون هذه الأيام ، ويمرُّ مرَّ الكرام، فلا يتفطّنُ لواجبِه الشرعيّ نحوَ ما تتعرضُ له هذهِ الرقعةُ من بلادِ المسلمين في غزةَ، مِن ويلاتِ الدمارِ والخرابِ، ومعاناةِ الجوعِ والخوفِ والعذاب.

ماذا لو عاشَ هؤلاءِ وغيرُهم ممّن ينفقونَ أموالًا طائلةً على المندوبات والمستحبات، مأساةَ أهلِ غزةَ حقيقةً، ووَضَعوا أنفسَهم وأسَرَهم موضِعَهم؛ تُدمَّر البيوتُ على رؤوسِهم، وتُمزَّقُ أجسادُهم، ولا يجدونَ نصرةً ولا غذاءً، ولا مأوًى ولا دواءً.

كيف لو وَضعَ الواحدُ منّا نفسَه وأسرتَه موضعَهم، ولا يَهُبّ لنجدتِهِ مَن يؤمّل منه النجدةَ والنُّصرةَ، وإنّما يرَى إخْوانَه المسلمينَ منشغلينَ عنهُ بنعيمِهم وملذاتِهم، وانفاق واسع على مندوباتٍ لا تخلو النفسُ فيهَا مِن حظوظٍ !!

ماذا يكونُ شعوره ياترى ؟!!

لا شكّ أنّ الطعامَ ولذيذَ الشرابِ، يتوقفُ في حلقِه مِن الحسرةِ والغصّةِ !!!

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

الصادق بن عبدالرحمن الغرياني

السبت 14 رمضان 1435 هـ

الموافق 12 يوليو 2014 م

التبويبات الأساسية