بسم الله الرحمن الرحيم
(مُرتكبُ الجريمةِ والذي يؤويهِ سواء)
الجرائمُ البشعةُ التي لا تتوقف، ونراها في بلادِنا؛ تستهدفُ الوطنيينَ والمخلصينَ، والعلماءَ والأئمةَ والدعاةَ، ورموزَ الثورة، والتي كانَ آخرُها تصفيةَ ما يقربُ مِن أربعين شابًّا، في مقتلةٍ جماعيةٍ شنيعةٍ مروّعة، وعليهم آثارُ التعذيبِ، نسألُ اللهَ أن يغفرَ لهم ويتقبلَهم، ويعوضَ أهلَهم فيهم خيرًا، ويخففَ أحزانَهم.
هذه الجرائمُ، لا يحملُ وزرَها وآثامَها مَن خطّطَ لها ونفّذَها وحدَهم، بل يحملُ أثقالَها وأوزارها مَن يسكتُ عنها، ويتسترُ عليها، ويؤوي القائمينَ بها، ويؤيدُهم، ومَن يموِّلُ القائمين بها، بالمالِ الفاسدِ الإماراتي، ومَن يُعينهم بالعملِ الاستخباراتي السعوديّ، الضالعِ في زعزعة الاستقرارِ في ليبيا، وقامَ بتسليم المعتمرينَ لحفتر في مطارِ جدةَ؛ ليجدُوا أنفسهم في سجون الرجمة.
يتحمل وزرَ هذه الجرائم في بلادِنا، العائلةُ والقبيلةُ والمنطقةُ، التي تصطفُّ خلفَ فردٍ أو جماعةٍ، مِن أبنائِها المجرمين، الذين يسفكونَ الدماء، ويقطعونَ الطريق، ويسلبونَ الأموالَ، ويقتلون العلماءَ، ويخطفونَ الدعاةَ، ويتتبَّعونَ كلَّ مَن نذرَ نفسَهُ لخدمةِ وطنهِ، والذود عن حرماتهِ، والوقوف في وجهِ الطغاةِ والظلَمة، يلاحقونَهم جماعاتٍ ووِحدانًا، باسم الحربِ على الإرهاب حينًا، وبأسماء أخرَى ملفقةٍ حينًا آخرَ؛ ليتخلصُوا مِن كلّ حرٍّ شريفٍ، لا يرضَى ببيعِ وطنهِ، وخيانةِ مبادئِهِ، بالرشاوَى وطمع المناصب.
يتحملُ وزرَ وحشيةِ هذه الجرائمِ، الذينَ انضمّوا إلى مَن طغَى في البلادِ، فأكثرَ فيها الفسادَ.
مَن انضمّ إلى (كرامةِ) مَن يسفكونَ الدماءَ، ويحرقونَ الجثث، وينبشونَ القُبورِ، ويحاصرونَ المدنَ، ويتآمرونَ في المحافلِ الدوليةِ مع أعدائهِم على تدمير أوطانِهم.
يتحمل وزر هذهِ الجرائم مَن وقفَ - ويقفُ - وراءَ مَن تحكمُوا في مصادرِ أرزاقِ الناس، وما يعيشونَ به مِن وسائل الحياةِ؛ يحبسُونَها عليهم، ويقفلونَها، كما فُعلَ بالأمسِ البعيدِ بمصادرِ الطاقةِ والنفط في الحقول، في شرق البلادِ مِن الجضرانِ، وفي غربِها بقفل صمامات الرياينة والزنتان، وكما يُفعل اليومَ بمصادرِ الماءِ، في فسادٍ متعمّد ممَّن يبغونَها عوجًا، لا يراعونَ في مواطنيهم إلاًّ ولا ذمّةً، ولا يريدونَ لبلادهم خيرًا ولا أمْنًا ولا عدلًا ولا دينًا، ولا أنْ تقومَ له قائمةٌ.
يتحملُ وزرَ هذه الجرائمِ كلّ مَن يقفُ مع المجرمينَ، أو يبرّرُ لهم، أو يسكتُ عنهم، ولا يُدينُهم، مِن السياسيينَ والمجالسِ المتعددةِ، المدّعِية لحكمِ البلادِ.
يحمل وزرَها المرتزقةُ، المدفوعو الأجرة في وسائل الإعلامِ، والتواصل الاجتماعي، للدفاعِ عنِ الباطلِ، المكثّرينَ سواد الظلمةِ والمفسدينَ.
يتحملُ وزرَ هذه المقبرة الجماعية الانقلابيونَ على الشرعيةِ، و(سلفيةُ) السلاطينِ، مِن مداخلةِ السعودية، وكلّ مَن يقفُ وراءَهم مِن قبائلهم في الشرق وفي الجنوب وفي الغرب، أو يتسترُ عليهم ولا يُدينُهم، ولا يتبرّؤُ منهم، سواء مِن العامةِ وشيوخ القبائل والحكماء والأعيان، أو مِن السياسيين.
فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قدْ سوّى في اللعنِ والطردِ مِن رحمةِ الله، بينَ مَن أحدثَ حدثًا، وبينَ مَن آوى محدِثًا، فقال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث علي رضي الله عنه: (مَن أحدَثَ حدثًا أو آوَى مُحدِثًا، فعليه لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعينَ، لا يُقبلُ منه صرْفٌ ولا عدلٌ)،
والمدينةُ قد تهلِكُ بأسرِها، مِن جراءِ فساد بعضِ أبنائِها إذا لم يُنكروا عليهم المنكر، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الناسَ إذا رَأوا الظالمَ فلم يأخذُوا على يديهِ؛ أوْشكَ أنْ يعمَّهم اللهُ بعقابٍ منهُ).
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
9 صفر 1439 هـ
29 أكتوبر 2017 م