بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تكشّفَ الأمرُ أنَّ أفرادًا مِمّا كان يُعرَف بـلواءِ (32 مُعزّز - لِواء خميس)، اشتركوا في القيامِ بالعملية الأخيرة، في قلبِ مدينةِ طرابلسَ اللياليَ الماضية، تحتَ مسمًى جديد.
هذا لم يعدْ سرا، ولا قابلًا للإنكارِ أو التستُّر عليه، بعد أن اعترفَ أحدُ أَسرى المعركةِ على نفسه بذلكَ على الهواءِ، بقناةِ (ليبيا الوطنية)، وقال عن الكتيبة التي يقاتلُ معها الآن: إنّها تضمُّ نحوًا مِن 500 مقاتلٍ مثله، مِن لواء (32 معزز).
والاعترافُ سيّدُ الأدلةِ، كما يُقال!
وربّما "ما خفيَ كان أعظم"، فهو لم يذكرْ عددَ المنضمّين معه مِن كتائبَ أمنيةٍ أخرى؛ مثل سحبان وحمزة وامحمد، وغيرها، بل لعلَّ هذا أيضا بعْضُ الحقيقةِ، فالحقيقةُ كاملةً تتضحُ حينَ يُعرف مصيرُ الكتائبِ الأمنيةِ الأخرى، التي كانت تُقاتِل الثوار، في الجنوبِ وفي الوسطِ وفي الشرق، وأسماءُ كتائبِها الجديدةِ المنضمّة تحتها، حتى لا تكونَ المفاجأةُ مروِّعَة.
فما الذِي جرَّأَ كتائبَ القذافي - بعد أن ألْقت السلاحَ، ووَلَّت الأدبارَ - لتخوضَ المعاركَ مِن جديدٍ مع الثوارِ؟
هل هو مسلسلُ عنفٍ واسِع، مهندسُهُ - في بلادِ ثوراتِ الربيعِ العربيّ - واحد؟
في مصر؛ فلول النظام لبسوا لباسَ المعارضة؛ يُمَنّون الفقراء البُسطاءَ الباحثين عن لُقمة العيشِ بالرفاهيةِ والنعيمِ الدائمِ، ويوهمونَهم أنّ الحكومةَ القائمةَ هيَ سببُ فقرِهم، وكأنهم ما أن يُسقِطوها حتَّى يختفيَ الفقر من حياتهم!!
في ليبيا؛ التحريضُ له وجهٌ آخر، يعتمدُ القَبلية والجهويّة والتحالفاتِ، وأموالٌ تُضَخّ مِن أعوانِ النظامِ السابقِ، ومصالحُ متقاطعةٌ مع مَن شمِلهم العزلُ السياسيُّ، حوَّلَ أحلامَهم في استردادِ نفوذِهم إلى سرابٍ، وإعلامٌ جاهزٌ للدورِ، مع انتشار السلاح والمتاجرة فيه.
هذه عواملُ كلّها تهددُ الأمنَ والاستقرارَ، وأخطرُها النعراتُ القبليةُ والعصبياتُ الجهويةُ، فعَلى الليبيينَ أن يحذروها، وينتبهُوا لِما قدْ يُدبَّر، وأن لا تنخدعَ القبائلُ بالوعودِ بالمناصبِ والمزايا، أو تفضيلِ هذه الجهةِ على تلكَ، ولا ينجَرّوا إلى مثل هذه التحالُفاتِ والعصبياتِ، فإنّ عاقبتَها وخيمةٌ على صاحبِها أوّلا، وعلى الوطنِ بأَسْره، فالقبليةُ والجهويةُ مَن ماتَ لأجلِها انتِصارًا لها، ماتَ ميتةَ السّوءِ، ميتَةَ أهلِ الجاهليةِ، وهوَ نذيرٌ لمنِ انتصرَ لها بسوءِ العاقبةِ، وخسارةِ الدّنيا والآخرةِ.
قال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ قُتِلَ ... يَغْضَبُ لِلْعَصَبِيَّةِ ، أَوْ يُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ، أَوْ يَدْعُو إِلَى الْعَصَبِيَّةِ ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ).
ويدخُلُ في هذا الوعيدِ - كما يقولُ أهلُ العلم - كلُّ مَن حرّكَتْه العصبيةُ وغضبَ لها، حتّى لَو كانَ في واقع الأمرِ محقّا، لِأنّ اللهَ - تعالَى - لم يُفضِّل أحدًا مِن هذهِ الأمةِ لجنسِه أو عِرقِه أو لجهتِهِ وقبيلتِه، بل فضَّل مَن فضَّلَه بالتّقوى والعملِ الصالح، قالَ تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أتْقاكُم).
النُّصرَةُ والتوادُّ والتحالفُ في الإسلامِ، أساسُهُ الدينُ والإيمانُ والعملُ الصالحُ، لا القبيلةُ ولا الجهةُ ولَا القرابَةُ، حتّى لو كانت هذه القرابةُ أبوّةً أو بُنوَّةً، قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول:(أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا).
فمَن بدأَ جهادَه للهِ، ثمَّ غضِبَ للقبيلةِ، وانتصرَ لها؛ فقد خابَ عملُه وخسرَ، وساءَتْ عاقبتُه، (وإِنّما الأَعمَالُ بالخواتِيمِ) كمَا صحَّ عنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
25 شعبان 1434 هـ
4 يوليو 2013 م