بسم الله الرحمن الرحيم
خاض وسام بن حميد معارك الوغى، وقُتل رحمه الله تعالى بعد تاريخ مشرِّفٍ، صابرًا مقبلًا غير مدبرٍ، نصرةً للحقِّ، ودفاعًا عن الوطنِ في وجه الانقلابيين البغاة، الخارجين عن القانون، المتحالفين مع الأجنبي الإماراتي والسعودي والمصري والفرنسي، وسم ما شئت في هذا التحالف من أعداء الوطنِ الغزاةِ الحاقدينَ، الذين باعوا ضمائرَهُم للشيطانِ، وتعاونوا على الإثمِ والعدوان.
ناضلَ هو وإخوانه نضالًا كانَ مضربَ الأمثالِ، على الرغم مِن الحصار الخانق والفاقة والحرمانِ، حتّى نحلَتْ جسومُهم، وذوِيت شخوصُهم، وقد كانوا يحرُسون البنوك جياعا، وبها اليورو والدولار، ويحرسون سوق الذهب، وفيها ما يشتهون، يحرسونَها وهم خاويو البطون، فبقيت بوجودهم أموال الناسِ محفوظة، وخزائِنُ البنوكِ محروسة، إلى أنْ وصلتْ إليها الأيدي الآثمة، أيدي الانقلابيين والطامعينَ، الذين يسمون أنفسهم الجيش العربي الليبي، فنهبوها، وعاثوا فيها فسادًا.
وهذا هو الفرق بينَ مَن يحافظ على حرمات اللهِ وحرماتِ المسلمينَ، وبينَ مَن لا يراعونَ لله حرمة، ولا للمسلمينَ ذمةً.
ولأمانتهم وحرصِهم على بلادهم، تكالبتْ عليهم قوى الشرِّ؛ خارجيةً وداخليةً.
قوى الشرِّ التي انقلبت على الشرعيةِ، وجمدت منذُ يومها الأول الدستورَ والقانونَ، تريدُها عوجا، تريد لليبيا أنْ تكونَ غابة، ودولةً فاشلةً، لا يأمنُ فيها أحدٌ على نفسٍ ولا مالٍ، خائفا فزعا، لا ينشد إلا السلامة (انجُ سعدُ فقدْ هلكَ سعيد).
لهذا السببِ - وهو أن تكون الفوضى عارمة، وألا تكون في ليبيا دولةٌ قائمة - حاربَ الانقلابيونَ ثوارَ بنغازي، وزرعوا بينهم الدواعشَ، حتّى شوّهوهُم، ثم هرّبوهم منها بعدَ أن دمّرُوها؛ ليدمروا بهم مدنًا أخرى، وليكون الدواعشُ مصدرًا يستفاد منه في استنزافِ الثوارِ، وإشغالِهم عن معاركِهم الحقيقيةِ في بناء ليبيا، بجرِّهم إلى معاركَ تنهكهم، دون أن تكلف خصومَهم مالا ولا رجالا ، كما رأينا في معاركِ سرت ودرنة وصبراتة، التي ذهبت بخيرة من الرجال والقادة من أبناء هذه المدن!
ولا يصعب عليك بعد هذا معرفة من له مصلحة في التفجير الذي هز مدينة طرابلس، فمن عساه أن تكون له مصلحة في تفجير المفوضة العليا للانتخابات غير من يعطل إصدار قانون الإنتخابات؟ وغير منابر هي أيضا خارجة عن القانون، تخطب الآن بتحريم الانتخابات؟ منابر لاتعتبر ولاية أمرها في هيئة الأوقاف الليبية، بل ولاة أمرها وفتاواها من خارج البلد!!
وللسببِ نفسه تُحاصَر الآن سبها، ولا تصلُها ضروراتُ الحياةِ، ولا دعم لمن يمثلونَ فيها الشرعيةَ، من ضباطٍ وأجهزة أمن، تُستهدف معسكراتُهم، وتُسَلَّط عليها المرتزقة، وتُزرع الفتن بين قبائلها وأبنائها ليتقاتلوا؛ حتى يوصلوهم إلى أنْ ليسَ لهم مُخلّصٌ ولا منقذٌ إلا الأجنبيّ والمتحالفَ معه، فيُرحبون به بدلَ أنْ يقاومُوه!
وللسببِ نفسِه تُركت طرابلس للقبضةِ الأمنيةِ الغاشمةِ، والإيداعِ في سجونِ التعذيبِ والمعتقلاتِ دون أحكام قضائية، فكُمِّمت الأفواهُ، ومنعتِ التظاهراتُ بالقهر، وأُرهقَ المواطنُ وتوالت عليه الأزماتِ؛ الغلاءُ، وعدمُ السيولةِ، وانقطاعُ الخدماتِ، والسطو وغياب القانون، ثم إغداقُ الأموالِ بالمرتباتِ العاليةِ على الحراسِ والموالينِ، وحرمانُ الجنودِ المجهولينَ والثوارِ المخلصينَ، وهم مَن حرسُوا لهم صناديقَ الانتخاباتِ، وأوصلوهم إلى سُدّة الحكم، فتنكَّروا لهم، وأودعوهم السجونَ، واضطروهم إلى الهجرةِ الشرعيةِ وغيرِ الشرعيةِ؛ ليغامروا بركوب البحر، بحثًا عن العلاجِ والزواجِ والبيتِ ولقمةِ العيشِ، ولولا هؤلاءِ المهجَّرينَ وإخوانهم، لم يحلمِ من يتحكم الآن في الأموالِ بالمجالسِ التي يتبوءونَها ويتباهونَ بها!
وللسبب نفسِه تُحاصرُ مدينةُ درنة، وهي التي ألحقتْ بالدواعشِ الهزيمة المنكرة، بعد معاركَ ضاريةٍ، لم تُكلِّف خزينةَ ليبيا ولا درهمًا واحدًا، تُحاصر مدينةٌ بها عشراتُ الآلافِ، وتُقصفُ بطائراتٍ الغزاة، على مرئى ومسمعٍ من هذهِ المجالسِ، في الشرقِ والغربِ، ولا تجدُ لهم ولا لمَن يتكلمون عن حقوقِ الإنسانِ همسًا، أو تسمعُ لهم ركزًا، حتى البياناتُ لم يعودُوا يُصدِرونها!
وللسببِ نفسهِ يُضربُ بأحكامِ المحاكمِ عَرض الحائط، ويعلق النظرُ في القضايا المتعلقةِ بالطعونِ الدستوريةِ؛ لأنها تمسُّ وجودَهم ووظائفهم، فأفسدوا القضاءَ، وأفقدُوهُ الاستقلاليةَ، وطُعنَ في نزاهته!
لكن مع هذا كله، رُبَّ ضارةٍ نافعةٍ، وقد يلوح الفرج عند فقد الأمل، ولعلَّ في الإعلانِ عن مقتلِ وسام وإخوانه بقصفٍ أجنبيٍّ، إيقاظًا لِهِمم الأحرار في ليبيا؛ لينتبهوا إلى ما يُرادُ ببلادهم، ويُحاك لهم ولثورتِهم من العداء السافرِ والمُبطّن، الذي تقودهُ دولٌ أجنبيةٌ، تتحالفُ معَ بعضِ أبناءِ جلدتهم، بعضها تدعمه بقواتٍ غازيةٍ، وبخبراتِ عساكرَ معاديةٍ، وتدفعُ الإمارات والسعودية من خزائنها كل ما يلزم، مما تحرم منه شعوبَها، لقتلِ الليبيين وتشريدهم، وتدميرِ مدنِهم، لئلا تنجح الثورة في ليبيا، فهم يقتلون المسلمين إرضاءً وموالاةً لعدوهم في الدينِ، حفاظًا على العروشِ، مُعرضينَ عن حكمِ العليِّ الكبيرِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فانتبِهُوا يا أولِي الأبصارِ.
رحم الله وساما وإخوانه وأسكنهم فسيح جناته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
17 شعبان 1439 هـ
الموافق 3 مايو 2018 م