كيف ترعرع الإرهاب

بسم الله الرحمن الرحيم

   الإرهاب الذي امتطى صهوتَه الانقلابيون، وجعله الإعلامُ شعارًا؛ يُبرِّرُ به الانقضاضَ على الثورةِ ومكتسباتها، لابد من تحديده وتعريفه؛ لأنّ الحكمَ على الشيءِ فرعٌ عن تصوُّره.

إن كانَ المُراد بالإرهابِ التفجيرَ والقتلَ والاغتيالَ، والسطوَ المسلح على المال العام والممتلكات والأرواح – وآخرها جرائم الاغتيال والقتل والخطف في بنغازي خلال اليومين الماضيين وقبلها مليونا دينار نهبت في طريق الكرايمية من مصرف الجمهورية.

الإرهاب  بهذا المعنى أدنّاهُ مرارًا وتكرارًا، أيًّا كان فاعلُه، ونُدينُه اليومَ وغدًا وبعد غدٍ، وفي كلّ وقتٍ وحين، ونطلُبُ من كلّ مسلمٍ أن يتبرأَ منه ويدينَه، كما نُدينُ في الوقت نفسِه كلّ من يتمردُ على تطبيقِ القانونِ، أو يتَأبَّى على تنفيذِ القرارات الصادرةِ من جهات الاختصاص، بحُجةِ التظلمِ والطعنِ عليها أمامَ القضاءِ، في سابقةٍ خطيرةٍ، بدأَت - للأسف - تنتشرُ بيننا، ليس فقط مِن عامّة الناس، بل مِن أهل العدلِ والقانون في الحكومة ومن أعضاء المؤتمر ورجال الهيئات القضائية.

كلّ من يدعُو ويحرضُ على هذا التمرُّدِ على القراراتِ والقوانين علانية ، ويتأبَّى عن تنفيذِها، ألاَ يكون عمله مغالبة وخروجا عن القانون بالقوة ويدخل في مسمى الإرهاب والتحريض عليه وإن زعم أنه يستنكر الإرهاب؟!

لا تملكُ دارُ الإفتاءِ أكثرَ مِن أن تُدينَ الإرهابَ بهذا المُسمَّى الشامل، ولا تملك أكثرَ مِن الإدانَةِ.

الذي يملكُ أكثرَ من الإدانةِ، ويقدرُ على تغييرِ المنكرِ، هي وزارةُ الداخليةِ، والعدلِ، والدفاعِ، ورئاسةُ الوزراءِ، والأجهزةُ الأمنيةُ والعسكريةُ والاستخباراتية، التي غابتْ مسؤوليّتُها جميعًا عن المشهدِ بالكُليَّة، طُول هذه الأحداثِ الداميةِ، حتى نسيَها الناسُ، ولمْ يعُدْ أحدٌ يذكرُها، غَيَّبَ مسؤُوليّتَها الإعلاميون، والمحلِّلون، والنَّشطون في الميادينِ، وصوَّرَ الإعلامُ المحرِّضُ المُتحامِلُ للناسِ، أنَّ حفظَ الأمنِ اختصاصُ دارِ الإفتاء، ولا علاقةَ له بالعدلِ ولا بالداخليةِ، فدارُ الإفتاء هي التي تقصفُ بنغازي بالطائرات، وهي التي فجرتْ بوابةَ (برسس)، وهيَ التي لا تريدُ الجيشَ والشرطةَ!! وعليها أن تستقيلَ!!! وتصمُت، فصوتُها الجاهرُ بالحقّ أقَضَّ مضاجعَ السّادةِ، وصَمَّ آذانَهم، وغَصَّ حلوقَهم، ولا يُريدون مزيدًا مِن التنغيصِ؛ (أريحُونَا مِنها)، قالَها مِن قبلِهم القذافي، حينَ ضاقَ ذرعًا بالشيخِ المجاهدِ، الشيخ الطاهر الزاوي، المفتي السابق - رحمه الله - تعالى، فلا عجبَ!!

أُعْطِيت الميزانيّاتُ الضخمةُ مِن أموالِ الشعبِ الليبيّ لِيأمَنَ الناس، فذهبت ملياراتُ الميزانيةِ أدراجَ الرياحِ، وسُلبَ الشعبُ أموالَه (ببكْش) الحُكام، وشطارةِ الكلام.

سكتتِ الحكومةُ السابقةُ واللاحقةُ عن القتلِ والتفجيرِ والاغتيال، وهادَنَتْه، وتفرَّجت عليه حتّى ترَعْرَعَ واشتدَّ عودُه، وكبُرَ وأعلَن عن نفسِه انقلابًا متمرّدًا على الدولة وعلى الحكومة.

عجزَت الحكومة هذه المرة، حتّى أنْ تُصدِر أمرًا بالقبضِ على الانقلابيّين، كما أعلنَت ولم تنَفِذْ في المرّة الماضية.

تهاونت الحكومة السابقة واللاحقة ومؤسساتها العدلية، في حفظ الأمن وردع الخارجين على القانون، فدُنِّستِ السيادةُ الليبيةُ، ومُرِّغت في الوحلِ؛ لانشغالِ الحكامِ بأنفسِهم ومصالِحِهم، عن مصالحِ رعيَّتِهم ومواطِنيهم.

وأغرَت مواقفُها المتهاونةُ الاستخباراتِ الأجنبيةَ - للمرّةِ الثانية - أن تَنتهِك سيادةَ الوطنِ، وتعتقلَ ليبيّين وتنقُلَهم؛ لِيحاكَموا على أراضيها، غير معتذرةٍ، ولا آسفة.

حكومةٌ ترى كلَّ يومٍ؛ الأشلاءَ، والدماءَ، والقصفَ، والسطوَ المسلحَ، وافتعالَ الأزماتِ في الوَقودِ، والكهرباءِ، وحقولِ النفط، وغيرِها من ضروراتِ الحياة؛ لتزدادَ مُعاناةُ ضعفاء الناسِ وفقرائِهم، والباحثين عن لقمةِ العيشِ، يومًا بعد يوم، مع عجزٍ كاملٍ منها عن الحلولِ، وانعدامِ أيّ رؤيةٍ للمستقبل.

حكوماتٌ غير مسلمةٍ تستقيلُ فيما هو أهونُ مِن هذا بكثير، منها ما يستقيلُ رئيسُها أو وزيرُها لمجرَّدِ خشيةِ فضيحةِ تهرّب مِن إقرارٍ ضريبيّ، يفعلُ هذا وهو غيرُ مسلمٍ، لا يرجُو لله وَقارًا، ولا يخافُ من عذابِه نارًا.

أمّا مَن يعلمُ مِن حكام المسلمين - بالسُّنةِ الصحيحةِ - عِلمَ اليقين، أنّ مَن ماتَ غاشًّا لرعيته، حرَّمَ اللهُ تعالى عليه الجنةَ، واستوجَب النارَ، فلا يُلقِي لهذا كلِه بالًا، بل حتّى عندَما واتَتْه الفرصةُ ليُلقيَ عن نفسِه الأثقالَ، خاصمَ في المحاكمِ، حتى استصدَرَ قرارًا كانَ محلَّ جدَلٍ بين أهلِ الاختصاصِ.

فَيَا لَلعجَب!!!

 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الخميس 28 شعبان 1435 هـ

الموافق 26 يونيو 2014 م

 

التبويبات الأساسية