(رسالةٌ إلَى العلماءِ وطُلابِ العِلم)

بسم الله الرحمن الرحيم

(رسالةٌ إلَى العلماءِ وطُلابِ العِلم)

 

(كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)؛ هذه الآيةُ جاءَت ردًّا على مقالةِ النصارَى، الذينَ ألهوا عيسَى عليه الصلاة والسلام، وعبدوه.  

واتخذوا رهبانهم أربابا من دون الله، فما نهوهم ولا حذروهم، وأراد  بعضَ اليهودِ وبعض الوافدين على النبيّ صلى الله عليه وسلّم مِن نصارَى نجرانَ أن يفعلوا فعلهم، فقالوا: يا محمدُ، ألَا نعبدُكَ؟ فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم  وحذرهم، وقالَ : مَعاذَ اللهِ أنْ آمرَ بعبادةِ غيرِ اللهِ فمَا بذلكَ بعثنِي، فنزلتِ الآيةُ، وكانت سٌنة للعلماء ألا يسكتوا على منكر، ولو كان ثمنه تمجيد ذواتهم، أونيل مرادهم من الدنيا.  

والربّاني؛ قال أهلُ العلمِ: هو الكاملُ في العلمِ والعملِ، والآيةُ وإنْ كانَ وُرودُها في عيسَى صلى الله عليه وسلم وقومه، فإنّ كلّ مَن أوتِيَ النبوةَ والكتابَ مِن الأنبياءِ، وأُوتِي العلمَ مِن العلماءِ، الذينَ هُم ورثةُ الأنبياءِ، فِي حُكمِهم.

وقوله: (بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) يفيدُ أنّ الذي بوّأَهُم هذِهِ المنزلة - أن يكونوا ربَّانِيين - مَا أوتُوا مِن العلمِ، علماءَ ومتعلّمين.

والمعنَى: كونوا ربّانيينَ منسوبينَ إلى الربّ، بالطاعةِ والعبادةِ، بسببِ علمِكم أو تعلمِكُم ودراسَتِكُم؛ لئَلَّا تدخلُوا تحتَ قوله تعالى: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ).

والآيةُ مدحٌ وثناء، تعلي وترفع شأن الفريقينِ؛ العلماءِ والمتعلِّمين، وتنبيهٌ إلى أنّ العِلم لا ينفكُّ عن العملِ، إذْ لا يُعتدُّ بأحدِهما دونَ الآخرِ، وأنّ الغايةَ مِن العلمِ والتعلمِ، هي التزامُ الحقِّ، والعملُ به، وأنْ يكونَ أهلُه ربّانيينَ ناصحينَ، لا مُلَبِّسين ولا غاشِّين، ولا مُدلِّسين، ولا مُخذِّلينَ عن الحقِّ، ولا مُغيَّبينَ عنهُ.

فهمُ الّذين يَثبُتُونَ إذا زلَّتِ الأقدامُ، ويُثبِّتونَ إذا وُلّي الأدبار، ويبصِّرونَ إذا تحيَّرت العقولُ، ويُسكِّنونَ إذا فَزعَت القلوب، ويُنيرونَ الطريقَ إذا ضَلَّ القوم.

هم مَعالمُ الهُدى، إليهم يُفزَعُ، وبهم يُقتَدَى، يتكلَّمون بالعدلِ، ويزِنُونَ بالقسطِ، لا يخافُون في الله لومةَ لائمٍ، لا يَسكُتون على باطلٍ، ولَا يشتَرونَ بآياتِ اللهِ ثمنًا قليلًا.

هذهِ بعضُ صفاتِ الربّانيين، الذينَ أمرَ اللهُ أهلَ العلمِ أن يكُونوا منهم؛ (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ).

 

 وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الأحد 27 شعبان 1436هـ

الموافق 14 يونيو 2015م

 

التبويبات الأساسية