بسم الله الرحمن الرحيم
قبض العلماء
الشيخ علي عبد الله جوان
قبض العلماء ثُلمة في الدين، ومصيبة على المسلمين، فقبضهم من قبض العلم، كماأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: (إِنَّ الله لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًايَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِعِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا).
موت العالم مُصاب جَلَلٌ للأمة بأسرها، قال الحسن رحمه الله: (موت العالم ثُلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليلوالنهار).
فقدت ليبيا يوم الأحد للثالث من شهر شوال 1436 هـ الموافق للتاسع عشر من الشهر السابع 2015 ، وفقد المسلمون معهابمزيد الحزن، عَلَما من أعلام الفقه واللغة والعربية، شهد له كل من عرفه بغزير العلم، وجودة النظر، وسداد الفهم، وصوابالفقه.
ولد الشيخ علي عبد الله جوان عام 1354 هـ 1936 م في مدينة زليتن، بلد القرآن والعلماء، وتلقى بها تعليمه في المراحلالأولى، وتتلمذ على يد كبار شيوخها في فنون العلم المختلفة، متنقلا بين حلقات التعليم الحر، وكان على رأس شيوخه علامةعصره الشيخ منصور أبو زبيدة رحمه الله، ثم تابع تعليمه بالمعهد الأسمري حين انضم في عهد الملك - رحمه الله تعالى -إلى التعليم الرسمي الديني.
وبعد التخرج فيه انتقل إلى البيضاء، فتخرج في كلية الشريعة بجامعة محمد بن علي السنوسي الإسلامية عام 1385 هـ1966 م.
ثم التحق بالدراسات العليا بالجغبوب، التي كانت تضم الخبرات النادرة من علماء الأزهر في علوم الفقه والسنة، وتحصلهناك على شهادة التخصص (الماجستير) عام 1388هـ 1969 م.
وعين بالتدريس الجامعي، متنقلا بين قاعات التدريس؛ بالبيضاء وبنغازي وطرابلس ومدينته زليتن.
لمنزلته رحمه الله تعالى في الفقه وأصوله وعلومه، ومعرفةٍ لقدره، عندما تأسست دار الإفتاء في ليبيا كنت اتصلت به فيمكالمة هاتفية طويلة ليكون عونا للدار، وسندا لها في القيام بأعبائها، ويكون أحد أعضائها من خلال مجلس البحوثوالدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء، أو من خلال إدارة الفتوى، بالصورة التي تقدر عليها ظروفه الصحية، وألححت عليهفي ذلك الحين إلحاحا شديدا، لثقتي بقدراته العلمية، وبمدى الاستفادة التي يضيفها لدار الإفتاء، ولكنه اعتذر بسببالحالة الصحية والأمراض والعلل التي كان يشكو منها حتى أقعدته، فأعذرته.
كان الشيخ علي جوان مربيا ناصحا، وأبا عطوفا، وعالما عاملا، ومتواضعا عابدا، قدوة في العلماء وأسوة، يمثل في علمهوسيرته مرجعية لطلاب العلم والعامة على السواء، له منزلة عالية في نفوس طلابه، وشخصية تحظى بالتوقير والتقديروالاحترام، بيته مفتوح يقصده الحائرون لكشف ما يلتبس، وتجلية ما يشتبه، فتَتَنوَّر بمشورته الأفهام، وتتحرر المسائل،ويتكشف الغموض، ويقصده المتنازعون والخصوم، فيُزال الإشكال، وينتهي عنده النزاع والخصام، وتهدأ النفوس.
أكسبته السنون الطويلة في خدمة العلم وقضاء حوائج الناس خبرة عالية - يصعب تعويضها - في إيجاد الحلول الشرعيةالتي تحفظ للأطراف الناشدة للحق حقوقهم أحيانا في خصومات ونزاعات معقدة ضاربة في القدم، لا يكاد بقي من يعرفحتى مصطلحات وثائقها وحججها البالية!
اجتمع له رحمه الله تعالى العلم والأدب والانتفاع به.
رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، وعوضنا فيه خيرا
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الثلاثاء 5 شوال 1436 هـ
الموافق 21 يوليو 2015 م