درسٌ مِن الماضِي!

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

مِن فرائضِ الدينِ، التي أوجبَها الله تعالى على المسلمين؛ وحْدةُ الصفّ، ونَبذُ الفُرقةِ، وخلافُ ذلكَ وقيعة وشرٌّ، وهزيمَةٌ، وفشلٌ.

قال الله تعالى: “وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ”، وقال عز وجل: “وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.
ولإعراضنا عن هذا الأصلِ العظيمِ مِن أصولِ الدين؛- فلا زلنا ندفعُ الثمنَ باهضًا.
لقد حافظنَا عليه ذاتَ مرةٍ؛ كان ذلكَ في بدايةِ ثورةِ التكبيرِ المُباركة، حينَ كان الكلامُ للعالَمِ بصوتٍ واحدٍ:
لا للقذافِي وحكمِه..
لا للتدخلِ الأجنبيّ بجندِه..
لا لتقسيمِ ليبيا..
فكانَ النصر بمشيئةِ الله، على الرّغم مِن أنّ الظروفَ كانت قاسيةً، لقد تشابَهَت قسوتها بظروفِنا هذه الأيامَ، حتّى كأنَّها هيَ هي، إن لم تكُن أشدَّ!
تخلَّت عنّا حينَها المنظماتُ الإقليميةُ والأمميّةُ، وجامعَةُ الدولِ العربيةِ؛ كمَا تخلَّت الآنَ!
حظرٌ شاملٌ للسلاحِ، مدُّوا بهِ القذافِي، وحرموا منه الثوارَ، كمَا مدُّوا بهِ حفتَر اليومَ!
المجلسُ الوطنيّ الانتقاليّ، كان بهِ مِن الضعفِ والتنافُرِ، مَا بالمؤتمرِ الوطنيِّ؛ اجتمعتْ على عُزلتِه الأممُ، وترفَّعَ عليه المجتمعُ الدوليّ، كمَا ترفَّعَ على المؤتمر!
لا يعترفونَ إلا بنظامِ القذافي، ولا يستقبلونَ إلّا وُفودَه، ويعقدُونَ معهُم الاتفاقياتِ والصّفقاتِ، تمامًا كمَا هو الحالُ مع حفتر وحكومتِه!
لكن وحْدةُ الصفِّ بفضل الله تعالى سلبتِ القذافي الاعترافَ الدوليَّ، والاهتمامَ الإقليميّ، شيئًا فشيئًا، إلى أنْ تَخَلَّوا عنهُ جميعًا، وذلك حينَ علِموا مُضيَّ الثورةِ قُدُمًا، وتوَحّدَ صفوفِها، وصلابةَ مَواقِفِها، وثباتَها على أهدافِها.

فمَا أشبَهَ الليلةَ بالبارحةِ !!

لم يختلفْ يومُنا عن البارحة في شيءٍ سِوى وحدةِ الصف، كانتْ بالأمسِ، وفقدنَاهَا اليوم.
وحدة فرضَهَا علينا الدينُ، وجرّبْناهَا فكان لنَا التّمكِين!
فمَا بال القوم اليوم يُعرضون ، ما إن يصدر بيان من مجلس عسكري أو بلدي أو لجنة في مؤتمر وطني إلّا انبرى لهُ نِدّ مِن فصيلِه؛ يقولُ: “هذا لا يمثلُ إلَّا نفسَه” أشبهُ بمن يخرب بيته بيده!

إنْ قلتَ: كلُّ طرفٍ لا يرَى نفسَه أنّه الذِي يشقُّ الصفَّ، وإنَّما غيرُه، فما الضابطُ؟
الضابطُ واحد؛ في السلمِ والحرب، وفي السياسةِ والحكمِ، وفي التجارةِ والمالِ، وفي الطهارةِ والحيضِ، وفي كلّ شؤونِ الحياةِ - الضابط هو الشرعُ؛ إنِ ائتمرْنَا بهِ نجوْنَا جميعًا، وإن أعرضْنا عنهُ هلكنا؛ (وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).

المُخوّلُ شرعًا بأن يتكلم مع العالَم الخارجي عن الوطن - وإلى إيجاد بديل نتفق عليه - هو المؤتمر الوطني وحكومته.
ولا يَجوزُ تجاوزه مهما كان حاله من الضعف؛ لأنّ تجاوزه شقٌّ للصفِّ، وخروجٌ عن وليِّ الأمرِ، الذي أمرَ الله تعالَى بطاعتِه؛ في الغضبِ والرّضَى، والعُسرِ واليُسرِ، والمنْشَطِ والمكرَه، والمغرمِ والمغنم، وهو حقٌّ واجبٌ له، بأمرِ الله تعالى ورسولِه، مهمَا كان ضعيفا واختلفَ الناسُ عليهِ، ما لم يَأْمُرْ بمعصيةٍ، قالَ تعالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ).
وفي الصحيحِ مِن حديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرهَ، إلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ) [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: (... وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) [رواه مسلم].

فكلّ مَن تدعُوه جهاتٌ أجنبيةٌ؛ استخباراتيةٌ أو أُمَميّةٌ - وما أكثرَها هذهِ الأيام - للكلام على مستقبل الوطن، سواء خارجَ البلادِ أو داخلَها، وسواء كان من المجالس البلدية أو العسكرية ومجالس الثوار أو غيرهم، حقّ الدينِ والوطنِ عليه - إلى أن تُخرِج لنا المصالحة الوطنية الليبية الليبية جسما توافقيا يتولى الأمر - حقه أنْ يقولَ: وليّ الأمرِ المؤتمرُ الوطنيّ وحكومتُه، هو المخوّل وحده بعقدِ الاتفاقياتِ السياسية والتدابيرِ الأمنية، إذا فعلتم ذلك فرضتم على العالم احترامَكم!

درسٌ تعلمنَاهُ مِن الماضِي، وأمَرَنا به البارِي، فعَضُّوا عليه بالنواجذ!

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
14 محرم 1437 هـ
الموافق 26 أكتوبر 2015 م

التبويبات الأساسية