اتفاقٌ سياسيُّ أم فرضُ وصايةٍ؟ … وما الحلُّ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
اتفاقٌ سياسيُّ أم فرضُ وصايةٍ؟ … وما الحلُّ؟

 

هدفٌ محلّ اتفاقٍ، لا يختلفُ عليه اثنانِ؛ بناءُ دولةٍ قويةٍ، يسودُها العدلُ والحقُّ، ويزدهرُ التعليمُ، وينعمُ فيها الناس بالرعايةِ الصحيةِ والتنميةِ، ويعمُّ الأمنُ والاستقرارُ، وتتكافأُ فيها الفُرص.

لكن؛ هل يكفي لبناءِ الدولةِ على هذا النحوِ الشفّاف المتألّقِ ، أن يكونَ لها دستورٌ به مبادئ حاكمة، تُلبّي ما يطمحُ إليه الناسُ، ويجمعُ كلَّ المثالياتِ والقيمِ؟
إنه سيبقَى حِبرًا على ورقٍ، ليست له أيُّ قيمةٍ، إذا كان الحاكمُ الذي ينفذُ القوانينَ الطموحة، ويطبقُ المبادئَ والدساتيرَ، غيرَ مؤمنٍ بها.
القانونُ في كلّ الدنيا على مَن يتولَّى تطبيقَه ...
قاضِي الجوْرِ مِن قُضاةِ النارِ؛ يطبقُه بالظلم، وقاضِي العدلِ مِن قُضاةِ الجنةِ؛ يطبقُه بالحقِّ، والقانونُ واحدٌ!

أمضَى القذافِي عشراتِ السنين، وما تركَ وسيلةً إلا ويقولُ لنا مِن خِلالِها: (القرآنُ شريعة المجتمع)، (سيروا وسبّحوا الله)، (إنّ اللهَ يحبّ إذا عملَ أحدُكم عملًا أن يُتقنه)، يقولُ ذلكَ وهو يُكذِّبُ القرآنَ، ويَستهزِئُ بالمقدّساتِ، ويُحللُ الحرامَ، ويحرمُ الحلالَ، وينكرُ مِن دينِ الله ما هو معلومٌ بالضرورةِ.
كان الشعار على كلُّ أوراقِه؛ الرسميةِ وغير الرسمية: (الشعبُ سيدُ الجميع)، وقَتلَ في يومٍ واحدٍ ألفًا ومائتَي سجينٍ شر قتلة، وإلى أنْ ماتَ وهو يقولُ: (الثروةُ والسلطة والسلاح بيد الشعبِ)، وما رَأَى الشعبُ استِلابًا للسلطةِ ولا الثروةِ ولا السلاحِ كاستِلابِه!
صَادَرَ حتّى بنادِقَ الصيدِ، وألغَى تَراخِيصَها.

مَن عَلِمَ ذلكَ؛ لا يصعبُ عليه فهْمُ سهولةِ أنْ تلبّى طلباتُ تحكيمِ الشريعةِ الإسلاميةِ - أو غيرها - في المسودة!
لا ضيرَ؛ ما دامَت حكومَةُ (التوافُقِ) بالتعيينِ كما رَأَينَا، وفريقُ الحوارِ يسمعُ بتشكيلتها مِن الإعلامِ!!
الاتفاقُ الدولي - حتّى لو كانَ رائعًا كمَا تحبّ - لا تفرحْ به، حتى تعلمَ لمَن سيُسلّم الوطن، وهل سَيُسلَّم فعلا، أم من يملكون التعيين والبدايات هم من يملكون الدوام والنهايات.

تقولُ: ما البديلُ؟ وما الحلّ؟
الحل: على أهلِ ليبيا على اختلافِ توجُّهاتِهم ومناطقهم أن يتصالحوا فيما بينَهم، ويطْوُوا صفحةَ الماضِي، ليقطعوا الطريق عن تدويل القضية، فليسَ لهم خَيارٌ آخرُ بعدَ الآنَ؛ قال تعالى: (فَاتّقُوا اللهَ وأَصْلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم).

ومؤتمر الوفاق الوطنيّ المرتَقَب، بمدينةِ مصراتة، قد يكون بداية جادة، لمُصالحةٍ جيدة، إذا مُنح المشاركون فيه الوقت الكافي بخطة طريق واضحة، وتَحَلَّت أعمال لجانه بالشفافية، بشرط أن يكون أول أعماله وضعَ آلية فَعّالة لضمان الالتزام بالمبادئ الحاكمة التي أعلنوها، وأن يضيفوا إليها - ضمانا للنجاح - الالتزامَ بهدنة إعلامية يكف فيها الجميع عن الحرب الكلامية، في القنوات وفي الصفحات.
وحينها لا عذرَ لمَن نشَطَ وتجَاوَبَ مع مصالحةٍ بوساطَةٍ دوليةٍ، كلَّفتْه عناءً وسفرًا؛ أنْ يتخلَّفَ عن دعوةٍ لمُصالحةٍ وطنيةٍ داخلَ بلدِه، وبينَ أهلِه.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
غرة محرم 1437 هـ
الموافق 14 أكتوبر 2015 م

 
 
 

التبويبات الأساسية