بسم الله الرحمن الرحيم
مما يحزن القلب أنه لا يمر يوم إلا ويتعرض جزء من أجزاء الوطن لاعتداء من جماعات مسلحة، تكلفنا أرواحا بريئة!
بالأمس القريب نصبت جماعات مسلحة كمينا لرتل تابع للجيش الوطني ورئاسة الأركان في طريقهم إلى مدن الجنوب، وقتلوا منهم من قتلوا، وجرحوا من جرحوا !
في الليلة الماضية تعرضت مدينة بنغازي لتجمعات، بدأت سلمية، ثم تحولت إلى عنف، حصدت أرواحا بريئة!
قبلها بأيام كانت أحداث مماثلة في الكويفية ببنغازي، أسفرت عن عشرات القتلى، وأعداد كبيرة من الجرحى !
أشعر الآن يا أبناء الوطن، أننا في مفترق طرق، تتعرض البلاد فيه لفتنة هوجاء، استسهل الناس فيها الدماء، واستهانوا بالقتل !
ليس ذنب بعد الشرك بالله أعظم إثما من دم مسلم!
الله تبارك وتعالى يتوعد القاتل بالخلود في النار فيقول: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ سَفْكِ دَمِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ)،
في هذا الوقت الحرج أدعوا أهل بنغازي بصفة خاصة، وأهل ليبيا بصفة عامة، أن يكونوا في مستوى المسؤولية، وأن يتحلوا بالحكمة والصبر وضبط النفس، وأن يحافظوا عى ثورتهم المظفرة، ولا يكون ذلك ولا يتحق، إلا بجمع الكلمة، ووحدة الصف، لستم في وقت من الأوقات يا أهل بنغازي ويا أهل ليبيا، أحوج إلى جمع الكلمة منكم الآن، لا تسمعوا لدعوات التقسيم، لا تسمعوا لدعوات الجهوية، لا تسمعوا للعصبيات ولا للقبلية، (دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ)، فإن من مات انتصارا لعصبية مات ميتة سوء، ميتة جاهلية، كما جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
فوتوا على أعداء الثورة الفرصة!
الله تبارك وتعالى يخاطبكم جميعا بقوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).
وينهاكم عن التفرق: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، وقوله: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).
على الشباب سواء كانوا في الصاعقة، أو في درع ليبيا، أو في فرقة المشاة، وعلى الأعيان والمشائخ وأولياء الأمور وعامة الناس، عليهم جميعا ضبط النفس، وألا يجرهم الفعل ورد الفعل إلى الانتقام والثأر، فليس الوقت وقت محاسبة، بل الوقت وقت مصالحة ومسامحة، من أجل الوطن.
لا تكونوا سببا في مقتلة تتحملون اثم كل الأرواح التي تسفك فيها
من ترك وقت الغضب غضبه، ووقت الثأر ثأره، ورجع إلى داعي عقله، احتسابا وطاعة لربه، وحفاظا على وطنه، فليس بمهزوم وليس بمغلوب، ولا مقهور، ولا ضعيف ولا جبان ولا مُفرط، بل عند الله وفي حكمه، هو المنتصر، هو الغالب، هو الشديد القوي الشجاع، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)، وسأل أصحابه: ( مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ ؟ " قَالَ: قُلْنَا: الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ، قَالَ: " لَا، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ).
على أهل بنغازي بالخصوص، أن يحافظوا على الثورة التي انطلقت شرارتها من مدينتهم، فلا نحب لهم أن يكونوا سببا في إطفاء جذوتها!
عليهم أن يفوتوا الفرصة على أعداء الثورة، الذين يسعون لتفرقة الصف، ويريدونهم أن يقتلوا أولادهم بأيديهم، باسم الثأر والعصبية، فليس فيما يجري في نهاية المطاف، غالب ولا مغلوب، بل الجميع خاسر.
وعلى المؤتمر والحكومة المسارعة بالتحقيق الجاد، ومعاقبة الجناة، حتى نضع حدا لهذا المسلسل الدموي، وألا يغيبوا عن المشهد!
الناطق الرسمي للرتل الذي تعرض أمس لكمين في طريقه إلى الجنوب، يقول: لم يخرج أحد، لا من الأركان ولا وزارة الدفاع يستنكر، أو حتى يعلق على ما حدث، فضلا عن أن يحقق!!
كما أن المؤتمر الوطني والحكومة مسؤولان عن غياب الخطاب الديني، وعدم إتاحة الفرصة له في الإعلام، ليؤدي دوره على الوجه الأكمل في علاج الوضع الأمني المتأزم، وعلى الناس والمؤتمر أن يتساءلوا، من المسؤول عن تعطيل دور المنبر إلى حد الآن؟!
بعد مضي ما يقرب من ثمانية أشهر على تشكيل الحكومة، لا تزال وزارة الأوقاف معطلة، وليس لها وزير!
على الخطباء، والدعاة، والوعاظ، أن يقوموا بدورهم في توجيه الناس إلى ضبط النفس، وتهدئة الأمور في هذا الوقت العصيب.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
السبت ٦ شعبان ١٤٣٤ هـ
الموافق ١٥ يونيو ٢٠١٣ م