بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه وسار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد؛
فإن البلادَ مقبلةٌ - بإذن الله تعالى - على اختيار المجلس النيابي الجديد، وأعضاء هذا المجلس هم من سيتولى مقاليد الأمور في البلاد.
فإذا شاركنا في اختيارهم، وأحسنّا الاختيار، حفظنا الوطن من خطر داهم، يُدبَّر له ويُحاك، وإذا تركنا المشاركةَ، سلبيةً مِنّا وعدمَ مبالاةٍ، أو استنادًا إلى فتاوى مشبوهةٍ، تُحرّم المشاركة؛ فسنكررُ تجرِبة المؤتمر الوطنيّ العام الفاشلة، ونواجهُ المصيرَ نفسه، ونُبتلى بمَن لا يُراعي فِينا إلاًّ ولا ذِمةً، ونُباع ونُشترى بأبخسِ الأثمانِ، ونكونُ كما قالَ المثَل: (على نفسِها جَنَت بَرَاقِش)، وفي الصحيح (لا يُلدغُ المؤمن من جُحرٍ مرَّتين).
الناخبُ الذي يختارُ المرشَّح، لجهوية أو قبلية ، أو لقرابةٍ ومحسوبيةٍ، أو لِوعودٍ مِن المرشح إذا فاز؛ بمالٍ أو وظيفة، في وزارة أو سفارة، مَن فعل شيئا مِن هذا، فهو غاشٌّ مُرْتشٍ، استحقَّ مِن الله تعالى اللعنَ والطردَ، وأوْقعَ نفسَه في شهادة الزورِ، التي هي إحدى المهلكات، وكبائرِ الذنوبِ.
قال صلى الله عليه وسلم: (أَلا أُنَبّئُكم بأكبرِ الكبائِرِ؟ قالوا: بَلى يَا رسولَ الله، قال: الشركُ بالله، وعقوقُ الوالِدَين، وكان مُتّكِئًا فَجَلس، وقال: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلنا: ليتَهُ سَكَتَ)؛ خوفًا مِن غضبِ الله تعالى ورسولِه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لعنَ اللهُ الراشِي والمُرتَشي).
تحمل الأمانة - أيها الناخب - وخَلّص نفسَك من المسؤولية، واخترْ القويَّ الأمين، الذي لا يخاف في الحق لومة لائم، فإن الله تعالى يقول : (إنّ خيرَ مَن استَأجَرتَ القويُّ الأَمين).
مَن تعمد سوء الاختيار، فاختار عضوا لمصالح خاصة أو تعصبا لقبيلة، فإنه يحمل وزر ما ارتكبه العضوُ الذي اختارَه مِن فسادٍ أو ظلم، لا ينقص مِن أوزار الظالمِ شيء، قال صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا).
من اجتهد فاختار ما ظنه الأصلح؛ فقد برئت ذمته، وأدَّى ما عليه، فإذا أفسد العضو بعد ذلك، وخيب أمله، فالإثم على العضو وحده، ويؤجر الناخب على اجتهاده.
الناخبُ الذي لا يشارك في اختيار الأصلح، ويتهربُ من تحمل الأمانة وأداء الشهادة، هو كاتمٌ لشهادةٍ قد يترتبُ على كتمانها ضياعُ الوطن، والتخلي عن مناصرة الحكم بالشرع، والله تعالى يقول: (ومَن يكتُمها فإنه آثمٌ قلبه).
مقاعد المجلس النيابي إن لم تُملأ بأهل الحق، ملأها أهل الباطل، فالعزوف منهم عن المشاركة دعم للطرف الآخر.
من يدعو من طلاب العلم إلى عدمِ المشاركة، ويتسببُ في انصراف الخيرينَ عنها، إثمُه أشد، ومسؤوليتُه أعظم؛ فالداعي إلى الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فمَن دَعا إلى هدى كان له من الأجرِ بقدرِ أجورِهم، لا ينقص من أجورهم شيء، ومَن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر بقدر أوزارهم، لا ينقص مِن أوزارهم شيءٌ).
المرشحون الأكفياء، يجب عليهم ألّا يتنافسوا في الدائرة الواحدة، وإذا كانوا متفاوتين في التأهل للعضوية، فعليهم إفساحُ المجال للأفضل، وعلى الآخرِ أن ينسحب؛ حرصًا على المصلحةِ العليا للوطن، ومَن فعلَ ذلك مرضاةً لربهِ، وجَدَ مِن الله – عاجلًا - العوضَ والخيرَ الكثير، فمَن تركَ شيئًا لله عوّضه اللهُ خيرًا منه.
وإن استوَى الخيّرون في تأهُّلهم أُقرِع بينهم.
أمّا الإصرار من كلِّ واحدٍ من المؤهلين الخيّرين، على التنافس في الدائرة الواحدة، التي لا تتحملُ العددَ، بزعم أنّه الأولى، بما يقسمُ الصفّ، يسقطهم جميعًا، فهو الانتحارُ بعينه الذي يحوّل العملَ برمتِه للدنيا، ومَا يبقى لهُ في الآخرةِ من نصيب؛ (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
1 شعبان 1435 هـ
الموافق 30 مايو 2014 م