نسخ برامج الكمبيوتر

السؤال: 

بعض البلاد مفروض عليها حظر فيما يخص البرامج العلمية التي تنتجها شركات أمريكية، مثل برامج الكمبيوتر الشائعة الاستخدام، حيث لا يسمح بتوريدها إلى هذه البلاد، ولا يوجد للشركات المنتجة ممثل ولا وكيل في هذه البلدان، ومن هذه البرامج برامج التشغيل الأساسية التي لا يمكن تشغيل الكمبيوتر ولا الاستفادة منه بدونها، وذلك مثل برنامج (الويندوز)  وبرنامج (الوورد)، ومنها برامج أخرى مساعدة، كبرنامج الناشر المكتبي وتتبع الفيروسات، إلى غير ذلك. وقد شاع بين الناس وفي أوساط تجار أجهزة الكمبيوتر نسخ هذه البرامج؛ لأنه لا يمكنهم بيع أي جهاز إلا إذا كانت هذه البرامج مثبتة فيه. والسؤال هو: ما حكم نسخ برامج الكمبيوتر وبيعها مثبتة في الأجهزة؟ علما بأنهم لا يأخذون عليها من الزبون ثمنا زائدا على ثمن الجهاز، إلا أنه لا يمكنهم بيع الأجهزة بدونها، وإلا أقفلوا محلاتهم.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهناك برامج أخرى على أقراص الليزر تنتجها شركات في البلاد العربية، بها موسوعات من الكتب الدينية ككتب الفقه والتفسير والحديث، يتعذر على طالب العلم الحصول على نُسخها الأصلية؛ إما لعدم توفرها، أو لغلاء سعرها، فهل يجوز نسخها للاستعمال الشخصي، وهل يجوز نسخها وبيعها بأسعار رخيصة للاستفادة منها؟ علما بأن هذه البرامج عادة ما يكون مكتوبا عليها أن حقوق الطبع والنسخ محفوظة للشركة المنتجة.

ـ كما أن هناك نوع ثالث من البرامج الثقافية والتعليمية وألعاب الأطفال على أقراص الليزر بعضها مكتوب عليه أن حقوق الطبع والنسخ محفوظة، وبعضها غير مكتوب عليه، وقد شاع أيضا نسخها والاتجار فيها بأسعار رخيصة. فهل ذلك جائز أو هو غير مشروع؟

 

الجواب

 

الجواب: ـ الجزء الأول من السؤال متعلق بالبرامج الضرورية التي لا يتم تشغيل جهاز الكمبيوتر إلا من خلالها ، وهي محظورة على بعض البلاد حظرا ظالما من قبل الدولة المنتجة التي بات عداؤها سافرا للإسلام والمسلمين ، ولعل في هذا الحظر الظالم وعدم توفر هذه البرامج عن طريق البيع في تلك البلدان ما يُبرِّر لأهلها نسخها ، لأن حاجتهم إليها من الحاجات العامة لجميعهم في أمر لا يمكنهم تركه ولا الاستغناء عنه بالكلية ، حيث إنه المَنْفذ الوحيد الذي يتم لهم به تعلم علم من علوم العصر ، هو في موضع الحاجة العامة للمسلمين ، إن لم نقل في موضع الضرورة . والقاعدة أن من اضطر إلى شيء في يد غيره وجب على الغير أن يبذله بالثمن ، وأجبر مالكه على بيعه للمضطر ، وعليه فإن امتنع عن البيع فقد أسقط حقه في الثمن ، وجاز للمضطر الوصول إلى ما اضطر إليه ، ومستند ذلك من قواعد الشريعة أنه إذا تقابل محظوران ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفهما ، وإذا اجتمع ضرران أسقط الأصغر الأكبر ، ولأن أصل الشريعة القضاء للعامة على الخاصة ، ولأن العمل بالراجح واجب بالإجماع ، فتسقط المفسدة المرجوحة للمصلحة الراجحة إذا تعذر الجمع(انظر في ذلك إيضاح المسالك للونشريسي قاعدة 107 ، وشرح المنهج المنتخب للمنجور ص 505 ـ 507). وما ذكره الفقهاء من تطبيقات هذه القواعد ، هو ذو صلة وثيقة بمسألتنا هذه ، فقد قالوا: إن كلا من جار المسجد ، وجار الطريق ، وممر الماء يجبر على بيع أرضه أو داره إذا ضاق المسجد أو تهدمت الطريق ، أو ممر الماء ، لتوسعة ما ذكر ، وإصلاحه إذا تعين ، ولم يوجد غيره ، تحصيلا للمصلحة العامة ، ودفعا للضرر الأكبر بارتكاب الأصغر ، ومعناه أنه إذا امتنع من ذُكر عن البيع فقد أسقط حقه في الثمن ، وكذلك قالوا: يُجبر صاحب الماء على بيع الماء لمن به عطش إن كان معه الثمن ، وإلا وجب بذله مجانا ، ويجبر أيضا على بيعه لمن له زرع تعطلت بئره ، ويخاف هلاك زرعه ، وهلاك الزرع تفويت لأمر حاجي ، فإذا كانت حرمة الملك تسقط عند خوف الضرر على الزرع ، فكيف إذا كان الضرر واقعا على جيل بلد من بلاد المسلمين بأسره ، بحرمانه من ضروريات تعلم علوم العصر ، التي لا سبيل لنهوض الأمة ومدافعة أعدائها بدونها . ـ أما الأقراص التي تنتجها شركات ومؤسسات إسلامية ، وتتضمن موسوعات في مختلف العلوم الشرعية وغيرها ، ويتعذر على طالب العلم الحصول على نسخها الأصلية لغلاء سعرها ـ فهذه إن كانت الجهة التي أصدرتها نصت على التأكيد على حمايتها بصورة من الصور ، كأن نصَّت على عدم جواز نسخها أو تكون صدّرتها بقسم ، يحلف بموجبه مستعمل البرنامج قبل الدخول إليه ، أن ما يستعمله هو النسخة الأصلية ، أو يكون البرنامج محميّاً بوجه من وجوه الحماية الأخرى ، لا يمكن استعماله إلا بكسرها ، كما يكسر قفل الدار للدخول إليها ، فهذا النوع لا يجوز لطالب العلم ولا لغيره أن يتعدى عليه وينسخه من غير إذن ، لأن البرنامج ملك للجهة التي أصدرته وصرفت عليه أموالا طائلة ، فهو مال من أموالها ، وقد بينت هذه الجهة بما فعلته من الحماية أو القسم بيانا لا يدع مجالا للشك أنها لا تأذن لأحد باستعماله إلا إذا بذل الثمن ـ سواء كان الاستعمال شخصيا أو تجاريا ، ولما كان هذا الحق مالا ، فلا يحل التعدي عليه ، لقول النبي *: =لا يحال مال امرئ إلا بطيب نفس منه+، (مسند أحمد حديث رقم 20712)، والحاجة لا تُحل لأحد أن يأخذ مال غيره (الأم 2/83) . وكون هذا الحق من الحقوق المعنوية ، لا يخرجه عن كونه حقا ، فإن حقوق التأليف والابتكار والاختراع وغيرها من الحقوق المعنوية ، لا تقل حرمة عن الحقوق المادية ، فقد صارت لها اليوم في عرف الناس قيمة مالية، لِتَمَوُّل الناس إياها ، ثم هي من المباح الذي سبق إليه أصحابه بكدّهم وجهدهم ومثابرتهم ، ورصد رؤوس أموالهم في إنتاجه ، ومن سبق إلى شيء من المباح فهو له ، لقول النبي *: =مَنْ سَبَقَ إِلَى مَاءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ+، (أبو داود حديث رقم 3071) . وقد أصدر مجمع الفقه بجدة قرارا ينص على أن الابتكار والاختراع من الحقوق التي يُعتد بها شرعا، ولا يجوز الاعتداء عليها (قرارات مجمع الفقه الإسلامي، قرار رقم 43) . ـ بقي النوع الثالث من البرامج، وهي البرامج الثقافية والتعليمية، وبرامج ألعاب الأطفال، فهذه؛ ما كان منها مكتوب عليه عبارة حقوق الطبع محفوظة، فلا يجوز نسخه لأغراض تجارية، لما تقدم من أن حقوق الابتكار من الحقوق المالية المعتدّ بها شرعا، ولا يجوز الاعتداء عليها ، أما الأقراص ـ التي لم توضع عليها حماية أو قسم مغلّظ ولا عبارة حقوق طبع محفوظة، فقد يكون في ترك ذلك ما يدل على الإذن الضمني بنسخها للاستعمال الشخصي، والله أعلم .

تاريخ الإجابة  2007-11-18

شوهدت 1199 مرة

التبويبات الأساسية