سؤال متكرر ورد من بعض المواطنين بخصوص بيع وشراء الوحدات السكنية التي تملكها الدولة ويتم بيعها عن طريق مصرف الادخار والاستثمار العقاري بمقتضى قراري اللجنة الشعبية العامة رقم 697 لسنة 2008، و 186 لسنة 2009. والسؤال يقول: هل هذه العقود التي يجريها مصرف الادخار لتملك الوحدات السكنية عقود مستوفية للمتطلبات الشرعية خالية من الشروط الفاسدة ويجوز التعاقد مع المصرف عليها، أم لا؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وسار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد
فبعد الاطلاع على الإجراءات المنصوص عليها في قراري اللجنة الشعبية العامة رقم 697 لسنة 2008، و186 لسنة 2009، والإجراءات التي يقوم بها مصرف الادخار لتنفيذ القرارين المشار إليهما سابقا، تبين لي أن هذه العقود قد أحيلت إليّ سابقا من قبل إدارة مصرف الادخار للاطلاع وإبداء الرأي الشرعي فيها، وقمت بتصحيحها وتلافي المخالفات الشرعية الواقعة فيها، على أن تتم إعادتها إليّ لاعتمادها، ولكن إدارة المصرف لم تُعدها إليّ مرة أخرى للاطلاع عليها واعتماد صيغتها النهائية.
ووجدتها الآن بالصورة القائمة حاليا لا زالت على حالها الأول، حيث إن إتمام عقد الوحدات السكنية المشار إليها في السؤال يتطلب إبرام عقدين بين مصرف الادخار وطالب التملك (المستفيد).
العقد الأول فيه يسمى (عقد بيع ابتدائي) بين المصرف، طرف أول، باعتباره وكيلا عن الدولة الليبية، وبين طالب التملك، طرف ثان.
والعقد الثاني (عقد بيع نهائي) عند سداد كامل الأقساط يتم عنده نقل الملكية.
وهناك عدد من المخالفات والمآخذ الشرعية التي تفسد العقد وتتمثل في الآتي:
1 ـ نصت المادة الثانية في هذا العقد الابتدائي على أن الطرف الأول (المصرف) باع العقار إلى الطرف الثاني (المستفيد)، وهذا يقتضي تملك المشتري للعقار من حين قبوله للبيع، لأن هذه فائدة عقد البيع، وهي انتقال الملكية فورا بمجرد التعاقد، على حين أن المادة الرابعة منه نصت على أن الملكية لا تنتقل إلى طالب التمليك إلا بعد سداد كامل الأقساط! وهذا تناقض في العقد من الناحية الشرعية، ويمكن للمصرف تفاديا لهذا التناقض مع محافظته على حقوقه وتوثقه لدينه بمنع المشتري من التصرف في العقار قبل سداد الأقساط ـ أن يحل هذا التناقض بأن يجعل العقدين ـ الابتدائي والنهائي ـ عقدا واحدا نهائيا، وأن ينص فيه على أن العقار المباع مرهون في ثمنه، لا يحق للمشتري التصرف فيه قبل سداد كامل الالتزامات التي عليه، وبذلك يصح العقد ويتوصل المصرف إلى غرضه.
2 – العقد على هذه الصورة هو متردد بين البيع والإجارة، فقد ذكرت المادة الخامسة (فقرة 1) بأن العقد يُفسخ في حال تأخر الطرف الثاني (طالب التمليك) عن سداد ثلاثة أقساط متتالية، وتُعد المبالغ التي تم تسديدها من قبل الطرف الثاني إيجارا مقابل انتفاعه بالعقار، وبذلك تحول عقد البيع إلى عقد إجارة تلقائيا في عقد واحد، وكل من البيع والإجارة لها أحكام تخصها تتعارض مع الآخر لا يجوز جمعها معا.
ويؤكد هذا الدمج والتردد بين العقدين أن المادة الأولى من العقد الابتدائي نصت بأن أحكام البيع الإيجاري المقررة باللائحة التنفيذية للقانون رقم 1 لسنة 1372 بتعديل القانون رقم 21 لسنة 1369 جزء لا يتجزأ من هذا العقد، والتردد في العقود ممنوع شرعا لما يتضمنه من الغرر والتناقض وعدم الوضوح في الحقوق والواجبات.
ويمكن للمصرف إذا أراد أن يصيغ هذه الشروط في عقد صحيح أن يُبرم مع طالب التملك عقد إيجار منتهيا بالتمليك مستوفيا لشروطه المقررة شرعا.
3 – تنص المادة السابعة من هذا العقد الابتدائي على أن الطرف الثاني ملزم بتحمل تكاليف الصيانة والترميم على نفقته الخاصة مدة سداد الأقساط، مع أنه غير مالك للعقار بمقتضى هذا العقد الابتدائي، حيث إن عقده يتحول إلى عقد إيجار عند التأخر في سداد الأقساط كما تقدم في الفقرة السابقة، والصيانة والترميم لا يجوز تحميلها على المستأجر بشرط، بل هي على مالك العقار، لأن تحميلها على المستأجر يؤدي إلى الإجارة بثمن مجهول، ولأن غنم العقار في عقد الإيجار للمالك فالغرم عليه بقاعدة (الخراج بالضمان) و (الغنم بالغرم).
وبذلك يُعلم أن هذا العقد بصيغته الحالية غير مستوف للشروط الشرعية، ولكن بالإمكان تصحيحه وجعله عقدا شرعيا يُحقق الضمانات التي يريدها المصرف لنقل الملكية وديونه المترتبة عليها، مع رفع الحرج على المحتاجين لتملك هذه الشقق، الذين يحرصون على أن يكن تملكهم صحيحا على وجه مشروع.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أملاه الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
1 رجب 1431 هـ
الموافق 13 / 6 /
شوهدت 734 مرة